للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما ... تخلّيت من حبل الهوى وتخلّت [١]

لكالمبتغي ظلّ الغمامة كلّما ... تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت

وكنت إذا خبّرت رجلا بمسيري بانت فيه كآبة، وبدت عليه كبوة، فكتمت ذلك عنهم كتمان المرأة ضرّتها بالغيب، ما في جسدها من سوء وعيب. فلمّا علق حرباء البين تنضبته [٢] ، ووقف صرد الفراق [٣] موقفه، كنت وإيّاهم كأبي قابوس وبني رواحة:

قال لهم خيرا وأثنى عليهم ... وودّعهم وداع أن لا تلاقيا

وسرت عن بغداد لستّ بقين من شهر رمضان، سيرا تنحط إبله، وتئطّ نسوعه [٤] ، وتوقّع الغرق سفنه، يودّ الماشي الرّجيل [٥] فيه أنّه بعض الرّكب، ولو كانوا ركبان الجذوع [٦] ؛ وأنه انتعل ولو بأديم الوجه والجبين، واضطجع ولو على القصد والشّبهان [٧] . عند الصّباح يحمد القوم السّرى. الغمرات ثمّ ينجلين [٨] .

ومررت بطرف الشّهباء؛ لأنّي سلكت طريق الموصل وميّافارقين، وفيها أمواه كأمواه الطثرة والعذيب [٩] فسبحان الله القديم!

وردت مياها ملحة فكرهتها ... فسقيا لأهلي الأوّلين ومائيا

كلّما شحجت النّواعب قلت خيرا أيّتها الطّير، لا علم لك بما كان ولا علم لك بما يكون. وراءك وراءك! فغيري من تهيّبين [١٠] . طالما نزل نازلك على النّبيلة [١١]


[١] البيتان لكثير عزة، ديوانه: ١٠٣.
[٢] التنضبة: نوع من الشجر تعلق به الحرباء وهي مضرب المثل في الحزم فلا ترسل ساقا إلا ممسكة ساقا.
[٣] الصرد: طائر يتشاءم به ولذلك أضافه الى الفراق.
[٤] تنحط: تئن من التعب، تئط: تصدر أطيطا أي تصوت، والنسوع: السيور تشد بها الرحال.
[٥] الرجيل: الماشي على رجليه.
[٦] ركبان الجذوع: الذين يصلبون.
[٧] القصد: العوسج، الشبهان، نبات شائك.
[٨] هذان مثلان (جمهرة العسكري ٢: ٤٢، ٢: ٨٠) .
[٩] الطثرة والعذيب محلان معروفان بطيب الماء.
[١٠] تهيبين: تخوفين.
[١١] النبيلة: الجيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>