للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسف ببرد قشيب، وذرفت عيون أشياخ شيب. فلا إله إلّا الله! أيّ نابتة ليست لها راعية! لا تخلو فاغية من سائفة [١] ، ولا تعدم الخرقاء ثلّة [٢] ، ولا الثّقال سائقة، ولا السّمجة قائنة [٣] .

وأمروني لرغبتهم في صقبي [٤] منهم بأمور تنهى عنها القناعة، وتكفّ دونها العادة. وما أبعد نضاد من جبال الضّريب [٥] ، وأشدّ اختلاف الغائر والمنجدين!

شتّان ما يومي على كورها ... ويوم حيّان أخي جابر [٦]

...

على حين أن ذكّيت وابيضّ مفرقي ... أسام الذي أعيبت إذ أنا أمرد [٧]

أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر [٨]

والله يحسن جزاءهم: إن كان ما فعلوه حفاظا فهو منّة عظيمة، وإن كان نفاقا فهو عشرة جميلة. وانصرفت وماء وجهي في سقاء غير سرب، ما أرقت منه قطرة في طلب أدب ولا مال. ومنذ فارقت العشرين من العمر ما حدّثت نفسي باجتداء علم من عراقيّ ولا شآم. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً

(الكهف: ١٧) .

والذي أقدمني تلك البلاد مكان دار الكتب بها.

ولست وإن أحببت من يسكن الغضا ... بأوّل راج حاجة لا ينالها

شرفا لذلك المنزل منزلا، وللسّاكنين به نفرا، ولماء دجلة واديا ومشربا.


[١] الفاغية: كل زهرة ذات رائحة طيبة، السائفة: السّامّة.
[٢] في المثل: لا تعدم الخرقاء علة ولا تعدم صناع ثلة؛ والصناع: المرأة الماهرة، لا تعدم صوفا تغزل منه (جمهرة العسكري ٢: ٣٧٩) .
[٣] الثقال: البطيء من الدواب؛ السمجة: القبيحة، قائنة: ماشطة تزينها.
[٤] الصقب: الجوار.
[٥] نضاد: جبل بالعالية، الضريب: الثلج.
[٦] بيت للأعشى، ديوانه: ١٠٨.
[٧] ذكيت: كبرت، أعيبت: عددته عيبا (والقياس أعبت) .
[٨] البيت لحاتم الطائي، ديوانه: ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>