للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت عند طلّاب العلم بمدينة السلام كشجر العرى [١] لا يسقط ورقه، والماء الصّرى [٢] لا يؤمن شرقه. لا سيّما من جمع نور الآداب، من كل هضب وعداب [٣] .

كان أيسر من عنائه في ذلك قذف الشّرح في سيح [٤] ؛ حتّى يعشب خدّ شريح. فهو فيما روي ثطّ، ما أشعر وجهه قطّ [٥] ، كفاني الله وله الحباء، أن تبدل من الشين الباء، فيصير الشرح من الشّقاء، البرح على الأصدقاء. أهو المصدر من قوله تعالى:

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ

(الشرح: ١) أم من قوله عزّ سلطانه: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ

(الأنعام: ١٢٥) إنّما هو أفانين كلام أصبح وهو مجموع، المقيس فيه والمسموع؛ لا يخلد من رواه، قد عاش النّاس بسواه. إنّي وحياته الكريمة قد خفت أن يجعلني الإخوان لأجله فيمن شرح بالكفر صدرا، ولن أخاف منهم غدرا؛ لا الصّارم صقلت، ولا في الشّامخ توقّلت. والكريم المبرّز كجواد بعيد الشأو، كلّف شأوا بعد شأو، فجاء محمود الآثار، منزّها عن كلّ عثار، دالّا على اليمن بغرّة زاهرة، ودائرة سمامة ظاهرة. ولن أقول لمن غاب: ريش سهمه اللّغاب؛ ولا أقرأ لكتاب أبي سعيد: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ

(فصلت: ٤٤) بل أنا من التّثقيل حذر، مشفق من ذلك معتذر. وإنّما سألت أن يستسعد برائه، لقلّة نظرائه. وهو عندي أجلّ، والكتاب أيسر وأقلّ، من أن يكلّف خطوات، ولو كنّ كدبيب القطوات.

وأنا أسأل الشيخ الأديب الفاضل، أن يسعفني بكتاب منه يشتمل على أسطر، كأنّ فيه ريح القطر؛ يضمّن طيب خبر، هو أذكى من العنبر، وأوامر منه ونواه، ما أنا إن امتثلتها بواه، وأستودعه الله وديعة ضنين، عند ثقة أمين.

ومن شعر أبي العلاء في الغزل [٦] :


[١] العرى من الشجر ما لا يسقط ورقه في الشتاء مثل الأراك والسدر، ويعول الناس عليه إذا انقطع الكلأ.
[٢] الصرى: الماء الذي قد تغير طعمه.
[٣] العداب: جانب الرمل.
[٤] السيح: الماء الجاري على وجه الأرض.
[٥] كان القاضي شريح كوسجا أي لا شعر ينبت في وجهه، وذلك هو الثط.
[٦] الأبيات الآتية مما لم يرو في سقط الزند.

<<  <  ج: ص:  >  >>