للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- الجواب من أبي العلاء المعري إليه:

قال العبد الضعيف العاجز أحمد بن عبد الله بن سليمان: أول ما أبدأ به أني أعدّ سيدنا الرئيس الأجلّ المؤيد في الدين- أطال الله بقاءه- ممن ورث حكمة الأنبياء، وأعدّ نفسي الخاطئة من الأغبياء. وهو بكتابه إليّ متواضع، ومن أنا حتى يكتب مثله إلى مثلي؟! مثله في ذلك مثل الثريا كتبت إلى الثرى. وقد علم الله أن سمعي ثقيل، وبصري عن الابصار نقيل [١] . قضي عليّ وأنا ابن أربع، لا أفرق بين البازل والرّبع [٢] ، ثم توالت محني، فأشبه شخصي العود المنحني، ومنيت في آخر عمري بالإقعاد، وعداني عن النهضة عاد.

وأما ما ذكره سيدنا الرئيس الأجلّ المؤيد في الدين فالعبد الضعيف العاجز يذكر له مما عاناه طرفا فأقول: إنّ الله جلّت عظمته حكم عليّ بالإزهاد، فطفقت من العدم في جهاد. وأما قول العبد الضعيف العاجز:

غدوت مريض العقل والدين فالقني

فإنما خاطب به من هو في غمرة الجهل، لا من هو للرياسة علم وأصل، وقد علم أنّ الحيوان كلّه حساس يقع به الألم، وقد سمع العبد الضعيف [شيئا] من اختلاف القدماء، وأول ما يبدأ به لو أن قائلا من البشر قال: إذا بنينا القضية البتيّة المركبة من المسند والمسند إليه، ولها واسطتان إحداهما نافية والأخرى استثنائية، فقلنا: الله لا يفعل إلا الخير، أفهذه القضية كاذبة أم صادقة؟ فإن قيل إنها صادقة فقد رأينا الشرور غالبة، فعلمنا أنّ ذلك أمر خفي. ولم يزل من ينسب إلى الدين يرغب في هجران اللحوم لأنها لم يوصل إليها إلا بإيلام حيوان، يفرّ منه في كلّ أوان، وأن الضائنة تكون في محلّ القوم وهي حامل، فإذا وضعت وبلغ ولدها شهرا أو نحوه اعتبطوه فأكلوه، ورغبوا في اللبن، وباتت أمه ثاغية، لو تقدر سعت له باغية. وقد


[١] رسائل المعري: كليل: والنقيل: الغريب.
[٢] البازل: الجمل إذا استكمل الثامنة، والربع: الفصيل الذي ينتج في الربيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>