للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدفنا، أو أن يذوق من درّها لبنا، أو يستطعم من [طعام] استكدّت عليه في حرثه وإنشائه، وهذه طريقة من يعتقد أنه إذا آلمها جوزي بألمها، وهذا غاية في الزهد.

ولما رأيت ذلك وسمعت داعية البيت الذي يعزى إليه وهو:

غدوت مريض الدين والعقل فالقني ... لتعلم أنباء الأمور الصحائح

شددت إليه راحلة العليل في دينه وعقله إلى الصحيح الذي ينبئني أنباء الأمور الصحائح. وأنا أول ملبّ لدعوته معترف بخبرته، وهو حقيق أن لا يوطئني العشوة فيسلك بي في المجاهل، ولا يعتمد فيما يورده تلبيس الحقّ بالباطل.

وأوّل سؤالي عن أمر خفيف فإن استنشقت نسيم الشفاء سقت السؤال إلى المهمّ: أسأله عن العلّة في تحريمه على نفسه اللحم واللبن وكلّ ما صدر إلى الوجود من منافع الحيوان فأقول: أليس النبات موضوعا للحيوان يمتار منه، وبوجوده وجوده، وبقوة في الحيوان حساسة ما استولى على الانتفاع بالنبات؟ ولو لم يكن الحيوان لكان موضوع النبات باطلا لا معنى له، وعلى هذه القضية فإن القوة الإنسانية مستولية على الحيوان استيلاء الحيوان على النبات لرجحانها عليه بالنطق والعقل، فهي مسخّرة له على أنواع من التسخير ولولا ذلك لكان موضوع الحيوان باطلا. فتجافي الشيخ- وفقه الله- عن الانتفاع بما هو موضوع له مخلوق لأجله إبطال لتركيب الخلقة. ثم امتناعه من أكل الحيوان ليس يخلو القصد به من أحد أمرين. إما أنه تأخذه رأفة بها فلا يرى تناولها بالمكروه، وما ينبغي له أن يكون أرأف بها من خالقها، فإذا ادّعى أنّ تحليلها وتحريمها إنما كان من بعض البشر، يعني به أصحاب الشرائع، وأن الله لم يبح إراقة دم حيوان وأكله، كان الدليل على بطلان قوله وقوع المشاهدة لجنس السباع وجوارح الطير التي خلقها الله سبحانه على صيغة لا تصلح إلا لنتش اللحوم وفسخها، وتمزيق الحيوانات وأكلها. وإذا كان هذا الشكل قائم العين في الفطرة كان جنس البشر وسيع العذر في أكل اللحوم، وكان من أحلّ لهم ذلك محقا. والثاني أنه يرى سفك دماء الحيوان خارجا عن أوضاع الحكمة، وذلك اعتراض منه على خالقه الذي أوجده، وإذا أنعم الشيخ وساق إليّ حجة أعتمدها رجوت كشف المرض الذي وقع اعترافي به.

<<  <  ج: ص:  >  >>