للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحمله، فكيف وهو الخفيف محمله؟ وقد كاتبت مولاي تاج الأمراء [١]- حرس الله عزه- أن يتقدم بازاحة العلة فيما هو بلغة مثله من ألذّ الطعام، ومراعاته به على الإدرار والدوام، ليتكشّف عنه غاشية هذه الضرورة، ويجري أمره في معيشته على أحسن ما يكون من الصورة. ثم إن قام من الشيخ نشطة لجواب أعفاني فيه عن قصد الأسجاع ولزوم ما لا يلزم فإن ملتمسي فيه المعاني لا الألفاظ.

٤- الجواب من أبي العلاء:

سيدنا الرئيس الأجل المؤيد في الدين عصمة المؤمنين، هدى الله الأمم بهدايته، وسلك بهم طريق الخير على يده: قد بدأ المعترف بجهله المقرّ بحيرته، والداعي إلى الله سبحانه أن يرزقه ما قلّ من رحمته في أول ما خاطبه به أن ذكر اعتقاده في سيدنا الرئيس الأجلّ المؤيد في الدين، ضوّأ الله الظلم ببصيرته، وأذهب شكوك الأفئدة برأيه وحكمته، وما نفسه عليه من الذلّة والحقرّية عنده، وأنه يحسبها ساكنة في بعض السوام. وعجب أن مثله يطلب الرشد ممن لا رشد عنده، فيكون كالقمر الذي هو دائب في خدمة ربّه ليلا ونهارا، يطلب الحقيقة من أقمر [٢] بفلاة يرد الماء على الصائد ويصيب قلبه بسهم.

وقد ذكر- أيد الله الحقّ بحياته- بيتا من أبيات على الحاء، ذكر وليّه ليعلم غيره ما هو عليه من الاجتهاد في التدين، وما حيلته في الآية المنزلة التي هي قوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي

(الأعراف: ١٧٨) وأولها:

غدوت مريض العقل والدين فالقني ... لتعلم أنباء الأمور الصحائح

فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما ... ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح

ولا يقدر أحد يدفع أنّ الحيوان البحريّ لا يخرج من الماء إلا وهو كاره، وإذا سئل المعقول عن ذلك لم يقبّح ترك أكله وإن كان حلالا، لأن المتدينين لم يزالوا


[١] تاج الأمراء لقب الأمير ثمال بن صالح المرداسي، ويلقب أيضا معز الدولة.
[٢] الأقمر: صفة للحمار.

<<  <  ج: ص:  >  >>