للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتركون ما هو لهم حلال مطلق:

وأبيض أمّات أرادت صريحه ... لأطفالها دون الغواني الصرائح

والمراد بالأبيض اللبن، ومشهور أنّ الأم إذا ذبح ولدها وجدت عليه وجدا عظيما، وسهرت لذلك ليالي، وقد أخذ لحمه وتوفّر على أصحاب أمّه ما كان يرضع من لبنها، فأيّ ذنب لمن تحرّج عن ذبح السليل، ولم يرغب في استعمال اللبن، ولا يزعم أنه محرم، وإنما تركه اجتهادا في التعبّد ورحمة للمذبوح رغبة أن يجازى عن ذلك بغفران خالق السماوات والأرض؟! وإذا قيل إن الله سبحانه يساوي بين عباده في الأقسام فأيّ شيء أسلفته الذبائح من الخطأ حتى تمنع حظّها من الرأفة والرفق؟

فلا تفجعنّ الطير وهي غوافل ... بما وضعت فالظلم شرّ القبائح

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد الليل، وذلك أحد القولين في قوله عليه الصلاة والسلام: «أقرّوا الطير في وكناتها» ، وفي الكتاب العزيز: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ

(المائدة: ٩٥) إلى غيرها من الآي في المعنى، فإذا سمع من له أدنى حسّ هذا القول فلا لوم عليه إذا طلب التقرّب إلى ربّ السموات والأرضين بأن يجعل صيد الحلّ كصيد الحرم، وإن كان ذلك ليس بمحظور.

ودع ضرب النحل الذي بكرت له ... كواسب من أزهار نبت فوائح

لما كانت النحل تحارب الشائر عن العسل بما تقدر عليه، وتجتهد أن تردّه عن ذلك، فلا غرو إن أعرض عن استعماله رغبة في أن تجعل النحل كغيرها مما يكره فيه ذبح الأكيل وأخذ ما كان يعيش به لتشربه النساء كي يبدنّ، وغيرها من بني آدم. وقد وصفت الشعراء ذلك فقال أبو ذؤيب يصف مشتار العسل [١] :

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عواسل [٢]

وروي عن علي عليه السلام حكاية معناها أنه كان له دقيق شعير في وعاء يختم


[١] شرح أشعار الهذليين ١: ١٤٤.
[٢] لم يرج لسعها: لم يبال به؛ النوب التي تذهب وتجيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>