للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فإذا كان صائما لم يختم على شيء من ذلك الدقيق، وقد كان عليه السلام يصل إلى غلّة كثيرة، ولكنه كان يتصدّق بها ويقتنع أشدّ اقتناع. وروي عن بعض أهل العلم أنه قال في بعض خطبه إن غلته تبلغ في السنة خمسين ألف دينار. وهذا يدلّ على أن الأنبياء والمجتهدين من الأئمة يقصرون نفوسهم ويؤثرون بما يفضل منهم أهل الحاجة.

وقد عدل سيدنا الرئيس إلى الإيماء بأنّ من ترك أكل اللحم ذميم، ولو أخذ بهذا المذهب لوجب على الإنسان أن لا يصلّي صلاة إلا ما افترض عليه، لأن ما زاد على ذلك أدّاه إلى كلفة، والله تبارك وتعالى لا يريد ذلك، ولوجب [أن] الذي له مال كثير، إذا أخرج عن الذهب ربع العشر، لا يحسن به أن يزيد على ذلك، وقد حثّ الناس على النفقات في غير موضع من الكتاب الأشرف. والعبد الضعيف العاجز قد افتقر الى مثل ذلك، ولو مثل بحضرته السامية لعلم أنه لم يبق فيه بقية لأن يسأل ولا أن يجيب لأن أعضاءه متخاذلة، وقد عجز عن القيام في الصلاة، فإنما يصلّي قاعدا، والله المستعان. وكيف له أن يكون يصل إلا أن يدبّ على عكاز (ثم استشهد على عجزه بأشعار العرب) وإني لأعجز إذا اضطجعت عن القعود، فربما استعنت بانسان، فإذا همّ بإعانتي وبسط يديه لنهضتي ضربت عظامي لأنهن عاريات من كسوة كانت عليهن.

وأما استشهاده ببيت أبي الطيب فمن استرشد بمثل العبد الضعيف العاجز مثله مثل من طلب في القتادة ثمر النخلة، وإنما حمل سائله على ذلك حسن الظنّ الذي هو دليل على كرم الطبع وشرف النفس وطهارة المولد وخالص الخيم.

وأما ما ذكره من المكاتبة في توسيع الرزق عليّ فيدلّ على إفضال ورثه عن أب فأب وجدّ في إثر جد حتى يصل النسب إلى التراب، فالعبد الضعيف العاجز ما له رغبة في التوسّع ومعاودة الأطعمة، وتركها صار له طبعا ثانيا، وأنه ما أكل شيئا من حيوان خمسا وأربعين سنة:

والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه [١]


[١] البيت لصالح بن عبد القدوس، انظر نكت الهميان: ١٧١ وتهذيب ابن عساكر ٦: ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>