للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسيدنا والرئيس، ولست مفضلا عليه في دنيا ولا دين، بل شادّ راحلتي إليه لاستفادة إن وردت موردها أو صادفت نهلا أو علّا منها قابلتها بالشكر لنعمته والإسجال على نفسي بأستاذيته.

وبعد، فإني أعلمه- أدام الله سلامته- أني شققت جيب الأرض من أقصى دياري إلى مصر، وشاهدت الناس بين رجلين: إما منتحل لشريعة صبا إليها ولهج بها إلى الحدّ الذي إن قيل له من أخبار شرعه: إن فيلا طار أو جملا باض لما قابله إلا بالقبول والتصديق، ولكان يكفّر من يرى غير رأيه فيه ويسفّهه ويلعنه، والعقل عند من هذه سبيله في مهواة وفي مضيعة، فليس يكاد ينبعث [لأن يعلم] ان هذه الشريعة التي هو منتحلها لم يطوّق طوقها ولم يسوّر سوارها الا بعد لموع نور العقل منه، فكيف يصحّ تولّيه أولا وعزله آخرا؟ [أو منتحل للعقل يقول إنه حجة لله تعالى على عباده، مبطل لجميع ما للناس فيه، مستخفّ بأوضاع الشرائع] ... [١] .

فلما رمت بي المرامي إلى الشام وسمعت أن الشيخ- وفقه الله- بفضل في الأدب والعلم قد اتفقت عليه الأقاويل، ووضح به البرهان والدليل، ورأيت الناس في ما يتعلّق بدينه مختلفين، وفي أمره متبلبلين، فكلّ يذهب فيه مذهبا، وحضرت مجلسا جليلا أجري فيه ذكره، فقال الحاضرون فيه غثا وسمينا فحفظته في الغيب، وقلت: إن المعلوم من صلابته في زهده يحميه من الظنة والريب، وقام في نفسي أن عنده من حقائق دين الله سرّا قد أسبل عليه من البقية سترا، وأمرا يميز به عن قوم يكفّر بعضهم بعضا، ولما سمعت البيت: غدوت مريض العقل ... توثقت من خلدي فيما حدثت عقوده، وتأكدت عهوده، وقلت: إن لسانا يستطيع بمثل هذه الدعوى نطقا، ويفتق من هذا الفخر العظيم رتقا، للسان صامت عنده كلّ ناطق، من ذروة جبل للعلم شاهق، فقصدته قصد موسى للطور أقتبس منه نارا، وأحاول أن أرفع بالفخر منارا، لمعرفة ما تخلّف عن معرفته المتخلفون، واختلف في حقيقته المختلفون، فأدليت دلوي بالمسألة الخفيفة التي سألت عنها ترقّيا من دون إلى فوق، وتدرّجا من


[١] لا بد من هذه الزيادة بناء على قوله من قبل: وشاهدت الناس بين رجلين ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>