يتعرض لحلق شعره جريا على السنة السالفة. وكتب من بعد في ديوان الخلافة، وكان له حرمة بالقادر بالله رعاها له، ثم غلب على أخلاقه الهزل وتجافى الجدّ بالواحدة وانقطع إلى اللعب، وكان شكله ولفظه وما يورده من النوادر يدعو إلى مكاثرته والرغبة إلى مخالطته، فحضر مجلس بهاء الدولة في جملة الندماء، ونفق عليه نفاقا لا مزيد عليه، ولم يكن لأحد من الرؤساء مسرّة تتمّ ولا أنس يكمل إلا بحضوره، فكانوا يتداولونه ولا يفارقونه، ونادم الوزراء حتى انتهى إلى منادمة فخر الملك، وأعجب به غاية الإعجاب وأحسن إليه غاية الاحسان، ومات في أيامه. وكانت له نوادر مضحكة وجوابات سريعة لا يكاد يلحقه فيها أحد، وتعرّض لغيبة الناس تعرضا قلّ ما أخلّ به على الوجه المضحك الذي يكون سببا إلى تدارك تلك المنقصة وطريقا إلى [تغمد] زلته فيها بما اعتمده من التطايب. وكان يذهب مذهب المعتزلة ويميل إلى فقه أبي حنيفة، ويتعصّب للطائيّ تعصبا شديدا، ويفضل البحتريّ على أبي تمام ويغلو فيه غاية الغلو.
فمن نوادره الشائعة أنه انحدر مع الرضيّ والمرتضى وابن أبي الريان الوزير وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك، فخرجوا عليهم اللصوص ورموهم بالحذّافات، وجعلوا يقولون: ألا حلوا يا أزواج القحاب؛ فقال البتي: ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين، قالوا: ومن أين علمت؟ قال: وإلا فمن أين علموا أنا أزواج قحاب؟!.
وكان البتي صاحب الخبر والبريد في الديوان القادري ومات في شعبان سنة ثلاث وأربعمائة؛ وله تصانيف منها: كتاب القادري. وكتاب العميدي. كتاب الفخري.
قال الوزير أبو القاسم المغربي: كان أبو الحسن البتي أحد المتفننين في العلوم لا يكاد يجارى في فنّ من فنون العلوم فيعجز عنه، وكان مليح المحاضرة كثير المذاكرة طيّب النادرة مقبول المشاهدة، رأيته على باب أحد رؤساء العمال وقد حجب عنه فكتب اليه:
على أي باب أطلب الإذن بعدما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه