قال: ولم يكن يسلم أحد من لسانه وتعويجه وثلبه له، وإذا اتفق أن يسمعه من يقول ذلك فيه التفت إليه كالمعتذر وقال: مولاي هاهنا؟ ما علمت بحضوره، ويجعل كونه ما علم بحضوره اعتذارا كأنه مباح له ثلبه بالغيبة.
قال: وكان مع ذكائه وتوقده وكثرة طنزه وتولّعه أشدّ الناس غباوة في الأمور الجديات وأبعدهم من تصورها، وكان له معرفة تامة بالغناء وصنعته، ولا تكاد المغنية تغنّي بصوت إلا ذكر صنعته وشاعره وجميع ما قيل في معناه.
وله من قصيدة في ابن صالحان:
سل الربع بالخبتين كيف معاهده ... وأنّى برجع القول منه هوامده
عفت حقبا بعد الأنيس رسومه ... فلم يبق إلا نؤيه وخوالده
ديار نزفت الدمع في عرصاتها ... تؤاما إلى أن أقرح الجفن فارده
أرقت دما بعد الدموع نزحته ... من القلب حتى غيّضته شوارده
سأستعتب الدهر الخؤون بسيّد ... يردّ جماح الدهر إذ هو قائده
سواء عليه طارف المال في الندى ... إذا ما انتحاه السائلون وتالده
وله فيه:
قرم إذا اعتذرت نوافل برّه ... لم يلف دافع حقّها بمعاذر
من معشر ورثوا المكارم والعلا ... وتقسّموها كابرا عن كابر
قوم يقوم حديثهم بقديمهم ... ويسير أولهم بمجد الآخر
وكان أبو إسحاق الصابيء قد عمل لأبي بشر ابن طازاد نسخة كتاب أراد إنشاءه ونحله اياه، فكتب إليه أبو الحسن البتي يعرّض بذلك:
زكاة العلوم زكاة الندى ... وعرف المعارف بذل الحجى
ولكن يجرّ به أهله ... فأجر بنيلك فضل التقى
لئن كنت أوجبته قربة ... لما وقع الموقع المرتضى
وما صدقاتك مقبولة ... إذا ما تنكبت فيها الهدى