بالسلام، فلقيته في بعض الأيام فلم يسلّم علي، ولقيته شبه المتغير، فلما جاز عنّي لحقني بعض أصحابنا وقال لي: لقيت أبا بكر الخطيب سكران، فقلت له: قد لقيته متغيرا واستنكرت حاله ولم أعلم أنه سكران، ولعله قد تاب إن شاء الله. قال السمعاني: ولم يذكر عن الخطيب رحمه الله هذا إلا النخشبي مع أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه.
وقال في «المذيل»[١] والخطيب رحمه الله في درجة القدماء من الحفاظ والأئمة الكبار، كيحيى بن معين وعلي بن المديني وأحمد بن أبي خيثمة وطبقتهم، وكان علّامة العصر، اكتسى به هذا الشأن غضارة وبهجة ونضارة، وكان مهيبا وقورا نبيلا خطيرا ثقة صدوقا متحريا، حجة فيما يصنفه ويقوله وينقله ويجمعه، حسن النقل والخط، كثير الشكل والضبط، قارئا للحديث فصيحا، وكان في درجة الكمال والرتبة العليا خلقا وخلقا وهيئة ومنظرا، انتهى إليه معرفة علم الحديث وحفظه، وختم به الحفاظ رحمه الله. بدأ سماع الحديث سنة ثلاث وأربعمائة وقد بلغ احدى عشرة سنة من عمره. قال: وسمعت بعض مشايخي يقول: دخل بعض الأكابر جامع دمشق أو صور ورأى حلقة عظيمة للخطيب، والمجلس غاصّ، يسمعون منه الحديث، فقعد إلى جانبه وكأنه استكثر الجمع، فقال له الخطيب: القعود في جامع المنصور مع نفر يسير أحبّ إلي من هذا.
قال: وسمعت أبا الفتح مسعود بن محمد بن أحمد أبي نصر الخطيب بمرو يقول، سمعت أبا عمر النسوي يعرف [بابن] ليلى يقول: كنت في جامع صور عند الخطيب، فدخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير وقال للخطيب: فلان، وذكر بعض المحتشمين من أهل صور، يسلّم عليك ويقول: هذا تصرفه في بعض مهماتك، فقال الخطيب: لا حاجة لي فيه، وقطّب وجهه، فقال العلوي: فتصرفه إلى بعض أصحابك، قال قل له: يصرفه إلى من يريد، فقال العلوي: كأنك تستقلّه ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها وقال: هذه ثلاثمائة دينار، فقام الخطيب محمر الوجه وأخذ السجادة ونفض الدنانير على الأرض وخرج من المسجد.