للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد بن الزبير وهو مغطّى الوجه حتى وصل إلى دار الامارة، والأمير بها يومئذ طرخان سليط [١] ، وكان بينهما ذحول قديمة، فقال: احبسوه في المطبخ الذي كان يتولّاه قديما، وكان ابن الزبير قد تولى المطبخ، وفي ذلك يقول الشريف الأخفش من أبيات يخاطب الصالح بن رزيك:

يولّي على الشيء أشكاله ... فيصبح هذا لهذا أخا

أقام على المطبخ ابن الزبير ... فولّى على المطبخ المطبخا

فقال بعض الحاضرين لطرخان: ينبغي أن تحسن إلى الرجل فإن أخاه يعني المهذب حسن بن الزبير قريب من قلب الصالح، ولا أستبعد أن يستعطفه عليه فتقع في خجلة؛ قال: فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين حتى ورد ساع من الصالح بن رزيك إلى طرخان بكتاب يأمره فيه باطلاقه والاحسان إليه، فأحضره طرخان من سجنه مكرما. قال الحاكي: فلقد رأيته وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه.

وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره ما حدّثني به الشريف أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد العزيز الادريسي الحسني الصعيدي قال، حدثني زهر الدولة حدثنا [ ... ] أن احمد بن الزبير دخل إلى مصر بعد مقتل الظافر وجلوس الفائز وعليه أطمار رثة وطيلسان صوف، فحضر المأتم وقد حضر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم، فقام في آخرهم وأنشد قصيدته التي أولها:

ما للرياض تميل سكرا ... هل سقّيت بالمزن خمرا

إلى أن وصل إلى قوله:

أفكر بلاء بالعرا ... ق وكربلاء بمصر أخرى

فذرفت العيون، وعج القصر بالبكاء والعويل، وانثالت عليه العطايا من كلّ جانب، وعاد إلى منزله بمال وافر حصل له من الأمراء والخدم وحظايا القصر، وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال، وقيل له لولا أنه العزاء والمأتم لجاءتك الخلع.


[١] الوافي: سليط اللسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>