للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا فأمر باشهاره على جمل وعلى رأسه طرطور ووراءه جلواز ينال منه.

واخبرني الشريف الادريسي عن أبي الفضل بن أبي الفضل أنه رآه على تلك الحال الشنيعة وهو ينشد [١] :

ان كان عندك يا زمان بقية ... مما تهين به الكرام فهاتها

ثم جعل يهمهم شفتيه بالقرآن، وأمر به بعد إشهاره بمصر والقاهرة ان يصلب شنقا، فلما وصل به إلى الشنّاقة [٢] جعل يقول للمتولّي ذلك منه: عجّل عجّل، فلا رغبة لكريم في الحياة بعد هذه الحال، ثم صلب.

حدثني الشريف المذكور قال: حدثني الثقة حجاج بن المسبح الاسواني أن ابن الزبير دفن في موضع صلبه، فما مضت الأيام والليالي حتى قتل شاور وسحب، فاتفق أن حفر له ليدفن فوجد الرشيد بن الزبير في الحفرة مدفونا فدفنا معا في موضع واحد، ثم نقل كلّ واحد منهما بعد ذلك إلى تربة له بقرافة مصر والقاهرة.

ومن شعر الرشيد قوله يجيب أخاه المهذب عن قصيدته التي أولها:

يا ربع أين ترى الأحبة يمموا ... رحلوا فلا خلت المنازل منهم

ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم ... وسروا وقد كتموا العداة مسيرهم

وضياء نور الشمس ما لا يكتم ... وتبدلوا أرض العقيق عن الحمى

روّت جفوني أيّ أرض يمموا ... نزلوا العذيب وإنما في مهجتي

نزلوا وفي قلب المتيم خيّموا ... ما ضرّهم لو ودعوا من أودعوا

نار الغرام وسلّموا من أسلموا ... هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا

أو أيمنوا أو أنجدوا أو اتهموا ... وهم مجال الفكر من قلبي وإن

بعد المزار فصفو عيشي معهم ... أحبابنا ما كان أعظم هجركم

عندي ولكنّ التفرق أعظم ... غبتم فلا والله ما طرق الكرى

جفني ولكن سحّ بعدكم الدم ... وزعمتم أني صبور بعدكم

هيهات لا لقّيتم ما قلتم


[١] البيت لمهيار، ديوانه ١: ١٦٤.
[٢] ر: السيافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>