الري في أيام الصاحب، فتوقع أبو الحسين أحمد بن فارس أن يزوره ابن بابك ويقضي حقّ علمه وفضله، وتوقع ابن بابك أن يزوره ابن فارس ويقضي حقّ مقدمه، فلم يفعل أحدهما ما ظنّ صاحبه، فكتب ابن فارس إلى أبي القاسم ابن حسول:
تعديت في وصلي فعدّي عتابك ... وأدني بديلا من نواكم إيابك
تيقنت أن لم أحظ والشمل جامع ... بأيسر مطلوب فهلا كتابك
ذهبت بقلب عيل بعدك صبره ... غداة أرتنا المرقلات ذهابك
وما استمطرت عيني سحابة ريبة ... لديك ولا ثنّت يميني سخابك
ولا نقبت والصبّ يصبو لمثلها ... عن الوجنات الغانيات نقابك
ولا قلت يوما عن قلى وسآمة ... لنفسك «سلّي عن ثيابي ثيابك»
وأنت التي شيّبت قبل أوانه ... شبابي سقى الغرّ الغوادي شبابك
تجنّيت ما أوفى وعاتبت ما كفى ... ألم يأن سعدى أن تكفّي عتابك
وقد نبحتني من كلابك عصبة ... فهلّا وقد حالوا زجرت كلابك
تجافيت من مستحسن البرّ جملة ... وجرت على بختي جفاء ابن بابك
فلما وقف أبو القاسم الحسولي على الأبيات أرسلها إلى ابن بابك، وكان مريضا، فكتب جوابها بديها: وصلت الرقعة أطال الله بقاء الأستاذ وفهمتها، وأنا أشكو اليه الشيخ أبا الحسين فإنه صيرني فصلا لا وصلا، وزجا لا نصلا، ووضعني موضع الخلال من الموائد، وتمّت من أواخر القصائد، وسحب اسمي منها مسحب الذيل، وأوقعه موقع الذنب المحذوف من الخيل، وجعل مكاني مكان القفل من الباب، وفذلك من الحساب، وقد أجبت عن أبياته بأبيات أعلم ان فيها ضعفا لعلتين، علتي وعلتها، وهي:
أيا أثلات الشّعب من مرج يابس ... سلام على آثاركنّ الدوارس
لقد شاقني والليل في شملة الحيا ... اليكنّ توليع النسيم المخالس
ولمحة برق مستميت كأنه ... تردّد لحظ بين أجفان ناعس
فبتّ كأني صعدة يمنيّة ... تزعزع في نقع من الليل دامس