على بابه، فكان أحمد بن كليب لا شغل له إلّا المرور على باب أسلم سائرا ومقبلا نهاره كلّه، فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهارا، فإذا صلّى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحا وجلس على باب داره، فعيل صبر أحمد بن كليب، فتحيّل في بعض الليالي ولبس جبة من جباب أهل البادية، واعتمّ بمثل عمائمهم، وأخذ باحدى يديه دجاجا وبالأخرى قفصا فيه بيض، وتحيّن جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبّل يده وقال: يأمر مولاي بأخذ هذا، فقال له أسلم:
ومن أنت؟ قال: صاحبك في الضيعة الفلانية، وقد كان تعرّف أسماء ضياعه وأصحابه فيها، فأمر أسلم بأخذ ذلك منه، ثم جعل أسلم يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام، وتأمله فعرفه، فقال: يا أخي وهنا بلغت بنفسك وإلى هاهنا تبعتني؟! أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب وعن الخروج جملة وعن القعود على باب داري نهارا حتى قطعت عليّ جميع ما لي فيه راحة؟! قد صرت في سجنك، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي [١] ولا قعدت ليلا ولا نهارا على بابي، ثم قام. وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا.
قال محمد بن الحسن: واتصل ذلك بنا فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كلّ ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك، قال: فلما يئس من رؤيته ألبتة نهكته العلة وأضجعه المرض، قال: فأخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال: فعدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: ولم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم فيّ البتة، فقلت له: وما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم، فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك، وكان هو والله أيضا يؤجر.
قال: فرحمته وتقطعت نفسي له، ونهضت إلى أسلم، فتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة قال: وما هي؟ قلت له: قد علمت ما جمعك مع أحمد من ذمام الطلب عندي، فقال: نعم ولكن قد تعلم أنه أشهر اسمي وآذاني، فقلت له: كلّ ذلك مغتفر في الحال التي هو فيها، والرجل يموت، فتفضل بعيادته، فقال: والله ما أقدر على ذلك، فلا تكلّفني هذا، فقلت له: لا بدّ، فليس عليك في ذلك شيء،