للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنما هي عيادة مريض، قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت: فقم الآن فقال لي:

لست والله أفعل ذلك، ولكن غدا، فقلت له: ولا خلف، فقال: نعم. قال:

فانصرفت إلى أحمد بن كليب وأخبرته بوعده بعد تأبيه، فسرّ بذلك وارتاحت نفسه.

قال: فلما كان من الغد بكّرت إلى أسلم وقلت له: الوعد، فوجم وقال: والله لقد تحملني على خطّة صعبة، وما أدري كيف أطيق ذلك، فقلت له: لا بد من أن تفي بوعدك. فأخذ رداءه ونهض معي راجلا، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب، وكان يسكن في آخر درب طويل، فلما توسط الدرب وقف واحمرّ وخجل وقال لي: الساعة والله أموت وما أستطيع أن أنقل قدمي ولا أن أعرض هذا على نفسي، فقلت: لا تفعل، بعد أن بلغت المنزل تنصرف؟ قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتة، قال:

ورجع مسرعا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزّق الرداء وبقيت قطعة منه في يدي، ومضى ولم أدركه، فرجعت ودخلت إلى أحمد بن كليب، وقد كان غلامه دخل إليه إذ رآنا من أول الدرب مبشّرا، فلما رآني دونه تغير لونه وقال: وأين أبو الحسن؟ فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط، وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الترجع، فاستبشعت الحال وجعلت أترجّع وقمت، فثاب إليه ذهنه وقال لي يا أبا عبد الله:

اسمع، وأنشد:

أسلم يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النحيل

وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل

فقلت له: اتق الله، ما هذه العظيمة؟! فقال لي: قد كان ما كان. فخرجت عنه، فوالله ما توسطت الدرب حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا، هذا قتيل الحبّ لا دية ولا قود. قال: وهذه قصة مشهورة عندنا، والرواة ثقات. وأسلم هذا من بيت جليل، وهو صاحب الكتاب المشهور في أغاني زرياب، وكان شاعرا أديبا.

قال الحميدي: وقد رأيت ابنه أبا الجعد، قال: وذكرت هذه القصة لمحمد بن سعيد [١] الخولاني الكاتب فعرفها وقال لي: أخبرني الثقة، قال: لقد رأيت أسلم هذا


[١] ر: لسعيد بن أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>