جزء له؟ فقال: كالبسيط، فأذهلني وحيّرني وكاد يأتي على عقلي لولا أن هداني ربي، لأنه أتاني بلغة ما سمعتها والله من عربيّ ولا عجميّ، وقد أحطت علما بلغات العرب وقمت بها، واستبرتها جاهدا، واختبرتها عامدا، وصرت فيها إلى ما لا أجد أحدا يتقدمني إلى المعرفة به، ولا يسبقني إلى دقيقه وجليله، فقلت أنا: وما الشيء البسيط؟ فقال: كالله وكالنفس، فقلت له: إنك من الملحدين، أتضرب لله الأمثال والله يقول فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ
(النحل: ٧٤) لعن الله مرشدا أرشدني إليك، ودالا دلّني عليك، فما ساقك إليّ إلّا قضاء سوء، ولا كسعك نحوي إلا الحين، وأعوذ بالله من الحين وأبرأ اليه منكم ومما تلحدون والله وليّ المؤمنين إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ*
(الانعام: ٧٨) لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. فلما سمع مقالتي كره استعاذتي فاستخفّه الغضب، فأقبل عليّ مستبسلا وقال: إني أرى فصاحة لسانك سببا لعجمة فهمك، وتذرّعك بقولك آفة من آفات عقلك، فلولا من حضر والله المجلس وإصغاؤهم إليه مستصوبين أباطيله، ومستحسنين أكاذيبه، وما رأيت من استهوائه إياهم بخدعه، وما تبينت من توازرهم لأمرت بسلّ لسان اللكع الألكن، وأمرت باخراجه إلى أحرّ نار الله وسعيره وغضبه ولعنته. ونظرت إلى أمارات الغضب في وجوه الحاضرين فقلت: ما غضبكم لنصرانيّ يشرك بالله، ويتّخذ من دونه الأنداد ويعلن بالالحاد؟! لولا مكانكم لنهكته عقوبة، فقال لي رجل منهم: إنه إنسان حكيم، فغاظني قوله فقلت: لعن الله حكمة مشوبة بكفر، فقال لي آخر: إن عندي مسلما يتقدم أهل هذا العلم، ورجوت بذكره الاسلام خيرا فقلت: إيتني به، فأتاني برجل قصير دحداح آدم مجدور الوجه أخفش العينين أجلح أفطس سيّء المنظر قبيح الزيّ، فسلم فرددت عليه السلام، فقلت: ما اسمك؟
فقال: أعرف بكنية قد غلبت عليّ، فقلت: أبو من؟ فقال: أبو يحيى، فتفاءلت بملك الموت عليه السلام، وقلت: اللهم إني أعوذ بك من الهندسة، اللهم فاكفني شرّها فإنه لا يصرف السوء إلا أنت، وقرأت الحمد لله والمعوذتين وقل هو الله أحد وقلت: إن صديقا لي جاءني بنصرانيّ يتخذ الأنداد، ويدّعي أن لله الأولاد، ليغويني، فهلمّ أفدنا شيئا من هندستك، وأقبسنا من طرائف حكمتك، ما يكون لي سببا إلى رحمة الله ووسيلة إلى غفرانه، فإنها أربح تجارة وأعود بضاعة، فقال: