أحضرني دواة وقرطاسا، فقلت: أتدعو بالدواة والقرطاس وقد بليت منهما ببلية كلمها لم يندمل عن سويداء قلبي؟ فقال: وكيف كان ذلك؟ فقلت: إن النصراني نقط نقطة كأصغر من سمّ الخياط وقال لي: إنها معقولة كربّك الأعلى، فوالله ما عدا فرعون وكفره وإفكه فقال: إني أعفيك من النقطة، لعن الله قويري، وما كان يصنع بالنقطة؟
وهل بلغت أنت أن تعرف النقطة؟ فقلت: استجهلني وربّ الكعبة وقد أخذت بأزمّة الكتابة ونهضت بأعبائها واستقللت بثقلها، يقول لي لا تعرف فحوى النقطة، فنازعتني نفسي في معالجته بغليظ العقوبة، ثم استعطفني الحلم إلى الأخذ بالفضل، ودعا بغلامه وقال: ايتني بالتخت، فو الله ما رأيت مخلوقا بأسرع إحضارا له من ذلك الغلام، فأتاه به، فتخيلته هيئة منكرة ولم أدر ما هو، وجعلت أصوّب الفكر فيه [تارة] وأصعّد أخرى وأجيل الرأي مليّا وأطرق طويلا، لأعلم أيّ شيء هو: أصندوق هو فإذا ليس بصندوق، أتخت [هو] فإذا ليس بتخت، فتخيلته كتابوت، فقلت لحد لملحد يلحد به الناس عن الحق. ثم أخرج من كمه ميلا عظيما فظننته متطببا وانه لمن شرار المتطببين، فقلت له: إن أمرك لعجب كله، ولم أر أميال المتطببين كميلك، أتفقا به العين؟ قال: لست بمتطبب ولكن أخطّ به الهندسة على هذا التخت، فقلت له:
إنك وإن كنت مباينا للنصرانيّ في دينه لمؤازر له في كفره، أتخطّ على تخت بميل لتعدل بي عن وضح الفجر إلى غسق الليل، وتميل بي إلى الكذب باللوح المحفوظ وكاتبيه الكرام، إياي تستهوي أم حسبتني كمن يهتز لمكايدكم؟! فقال: لست أذكر لوحا محفوظا ولا مضيّعا، ولا كاتبا كريما ولا لئيما، ولكن أخطّ فيه الهندسة وأقيم عليها البرهان بالقياس والفلسفة، قلت له: اخطط فأخذ يخطّ وقلبي مروّع يجب وجيبا، وقال لي غير متعظم: ان هذا الخط طول بلا عرض، فتذكرت صراط ربي المستقيم وقلت له: قاتلك الله، أتدري ما تقول؟ تعالى صراط ربّي المستقيم عن تخطيطك وتشبيهك وتحريفك وتضليلك، انه لصراط مستقيم، وإنه لأحدّ من السيف الباتر والحسام القاطع، وأدقّ من الشعر وأطول مما تمسحون، وأبعد مما تذرعون، ومداه بعيد، وهو له شديد، أتطمع أن تزحزحني عن صراط ربي وحسبتني غرا غبيا لا أعلم ما في باطن ألفاظك ومكنون معانيك؟! والله ما خططت الخطّ وأخبرت انه طول بلا عرض إلّا ضلة بالصراط المستقيم لتزلّ قدمي عنه وأن ترديني في جهنم، أعوذ