بالله وأبرأ إليه من الهندسة، ومما تدلّ عليه وترشد إليه، إني بريء من الهندسة ومما تعلنون وتسرون، ولبئسما سوّلت لك نفسك أن تكون من خزنتها بل من وقودها، وإن لك فيها لأنكالا وسلاسل وأغلالا، وطعاما ذا غصة. فأخذ يتكلم فقلت: سدّوا فاه مخافة أن يبدر من فيه مثل ما بدر من المضلل الأول، وأمرت بسحبه فسحب إلى أليم عذاب وناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ
(التحريم: ٦) ثم اخذت قرطاسا وكتبت بيدي يمينا آليت فيها بكلّ عهد مؤكّد وعقد مردّد ويمين ليست له كفّارة أني لا أنظر في الهندسة أبدا، ولا أطلبها ولا أتعلمها من أحد سرا ولا جهرا، ولا على وجه من الوجوه، ولا على سبب من الأسباب، وأكدت بمثل ذلك على عقبي وعقب أعقابهم: لا تنظروا فيها ولا تتعلموها ما دامت السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة لميقات يوم معلوم. وهذا بيان ما سألت- أعزك الله- عنه فيما دفعت إليه وامتحنت به، ولتعلم ما كان منّي.
ولولا وعكة أنا في عقابيلها لحضرتك مشافها وأخذت بحظ المتمني [من الأنس] بك والاستراحة إليك، فمهّد على ذلك عذري، فإنك غير مباين لفكري والسلام.
قال عبد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب: لا شكّ أن أكثر ما في هذه الرسالة مفتعل مزوّر وما أظنّ برجل مثل ابن ثوابة- وهو بمكانه من العلم بحيث تلقى إليه مقاليد الخلافة فيخاطب عنها بلسانه القاصي والداني، ويرتضيه العقلاء والوزراء، بحيث لا يرون له نظيرا في زمانه في براعة لسانه، تولّى كتابة الإنشاء السنين الكثيرة- أن يكون منه هذا كله، ولكن عسى أن يكون منه ما كان من ابن عبّاد وهو الذي ساق أبو حيان خبر ابن ثوابة لأجله، وهو أن قال [١] كان ابن عباد يسبّ أصحاب الهندسة ويقول: جاءني بعض هؤلاء الحمقى ورغّبني في الهندسة، فابتدأ فأثبت خمسة وعشرين وخطّ خطا ووضع شكلا وطوّل وزعم أنه يعمل برهانا على ذلك، فقلت له:
كنت أعرف أنّ هذا خمسة وعشرون ضرورة، وقد شككت الآن، فأنا مجتهد حتى أعلم بالاستدلال وهذا هو الخسار.