عمل كتابا في النحو وسماه «الفيصل» فبعث الخليل إليه يستعيره فوجّه به إليه، فقال: والدليل على أن الخليل تعلّم النحو من كتاب الرؤاسي ما يوجد في كتاب سيبويه من ذكره إذ يقول: قال الكوفي، وهذا متى سمع علم أنه لا يقوله إلا عصبي.
قرأت في كتاب ابن أبي الأزهر بخطّ عبد السلام البصري قال: كان بإزاء دار أبي العباس ثعلب رجل قد غلب على عقله، فكان ربما خرج فجلس على الباب- باب بيته- ينظر إلى الناس، فرأى يوما غلام أبي العباس وقد أدخل إلى داره خبزا أسود، فقال له: يا أبا العباس لم لا تشتري لك خبز حوّارى؟ ما معنى هذا الضيق والشؤم؟ فقال له: هذا أصلح من الحاجة وبذل الوجه إلى الناس، فضحك وقال:
عجبت لك من هذا الكلام أمالك هذا إلا من بذل الوجه والحاجة إلى الناس والطلب منهم؟ لا تقبل برّ أحد إن كنت صادقا، فالتفت إليّ وقال: قد قال قولا، ثم أنشدني في الزهد:
زماننا صعب وإخواننا ... أيديهم جامدة البذل
وقد مضى الناس ولم يبق في ... عصرك إلا محكم البخل
وما لنا بلغة أقواتنا ... ما فيه للإسراف من فضل
فضمّ كفّيك على ملكها ... وأطرش السمع عن العذل
فتعجبت من إنشاده هذا الشعر بعقب ما خوطب به.
قال أحمد بن فارس اللغوي: كان أبو العباس ثعلب لا يتكلّف الإعراب في كلامه، كان يدخل المجلس فنقوم له فيقول: أقعدوا أقعدوا، بفتح الألف.
قال ابن كامل القاضي: أنشدني أبو بكر ابن العلاف لنفسه لما مات المبرد «١» :
ذهب المبرد وانقضت أيّامه ... وليلحقنّ مع المبرّد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقي ربعه فسيخرب
فابكوا لما سلب الزمان ووطّنوا ... للدهر أنفسكم على ما يسلب
ذهب المبرد حيث لا ترجونه ... أبدا ومن ترجونه فمغيّب