فتزوّدوا من ثعلب فبكأس ما ... شرب المبرد عن قليل يشرب
واستحلبوا ألفاظه فكأنكم ... بسريره وعليه جمع مجلب
وأرى لكم أن تكتبوا أنفاسه ... إن كانت الأنفاس مما يكتب
فليلحقنّ بمن مضى متخلّف ... من بعده وليذهبنّ ونذهب
وقال أبو الطيب عبد الواحد اللغوي في كتابه المسمى «مراتب النحويين»«١» قال: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة، وعلى سلمة بن عاصم في النحو، ويروي عن ابن نجدة كتب أبي زيد، وعن الأثرم كتب أبي عبيدة، وعن أبي نصر كتب الأصمعي، وعن عمرو بن أبي عمرو كتب أبيه، وكان ثقة متقنا يستغني بشهرته عن نعته.
وقال: وكان ثعلب حجّة دينا ورعا مشهورا بالحفظ والصدق وإكثار الرواية وحسن الدراية، كان ابن الأعرابي إذا شكّ في شيء يقول له: ما عندك يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه. ولد سنة مائتين وطلب اللغة والعربية في سنة ست عشرة ومائتين. قال: وابتدأت بالنظر في «حدود الفراء» وسني ثماني عشرة سنة، وبلغت خمسا وعشرين سنة وما بقي عليّ مسألة للفراء إلا وأنا أحفظها وأحفظ موضعها من الكتاب، ولم يبق شيء من كتب الفراء في هذا الوقت إلا وقد حفظته.
وحدث المرزباني قال عبد الله بن حسين بن سعد القطربلي في «تاريخه»«٢» :
كان أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب من الحفظ والعلم وصدق اللهجة، والمعرفة بالغريب، ورواية الشعر القديم، ومعرفة النحو على مذهب الكوفيين، على ما ليس عليه أحد، وكان يدرس كتب الفراء والكسائي درسا، [ولم يكن يعلم]«٣» مذهب البصريين، ولا مستخرجا للقياس ولا مطالبا له، وكان يقول: قال الفراء والكسائي، فإذا سئل عن الحجة والحقيقة في ذلك لم يغرق في النظر. وكان أبو علي أحمد بن جعفر النحوي ختنه زوج ابنته يخرج من منزله، وهو جالس على باب داره، فيتخطى أصحابه ويمضي ومعه دفتره ومحبرته فيقرأ على أبي العباس المبرد كتاب سيبويه،