حدث «١» علي بن يحيى المنجم أن إسحاق لما انحدر إلى البصرة كتب إلى علي بن هشام القائد: جعلت فداك، بعث إليّ أبو نصر مولاك بكتاب منك إليّ يرتفع عن قدري ويقصّر عنه شكري، فلولا ما أعرف من معانيه لظننت أنّ الرسول غلط بي فيه، فما لنا ولك يا أبا عبد الله، تدعنا حتى إذا نسينا الدنيا وأبغضناها ورجونا السلامة من شرها أفسدت قلوبنا وعلّقت أنفسنا، فلا أنت تريدنا ولا أنت تتركنا، وما ذكرته من شوقك إليّ فلولا أنك حلفت عليه لقلت:
يا من شكا عبثا إلينا شوقه ... شكوى المحبّ وليس بالمشتاق
لو كنت مشتاقا إليّ تريدني ... ما طبت نفسا ساعة بفراقي
وحفظتني حفظ الخليل خليله ... ووفيت لي بالعهد والميثاق
هيهات قد حدثت أمور بعدنا ... وشغلت باللذات عن إسحاق
قد تركت جعلت فداك ما كرهت من العتاب في الشعر وغيره، وقلت أبياتا لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد، وأستقبل الشمال وأتنسم أرواحكم فيها، ثم يكون ما الله أعلم به، وان كنت تكرهها تركتها إن شاء الله:
ألا قد أرى أنّ الثواء قليل ... وأن ليس يبقى للخليل خليل
وأني وإن ملّيت في العيش حقبة ... كذي سفر قد حان منه رحيل
فهل لي إلى أن تنظر العين مرة ... إلى ابن هشام في الحياة سبيل
فقد خفت أن ألقى المنايا بحسرة ... وفي النفس منه حاجة وغليل
وأما بعد، فإني أعلم أنك وإن لم تسأل عن حالي تحبّ أن تعلمها وأن تأتيك عني سلامة، فأنا يوم كتبت إليك سالم البدن مريض القلب، وبعد فأنا جعلت فداك في صنعة كتاب ظريف مليح فيه تسمية القوم ونسبهم وبلادهم وأسبابهم وأزمنتهم، وما اختلفوا فيه من غنائهم، وبعض أحاديثهم وأحاديث قيان الحجاز والكوفة [والبصرة المعروفات والمذكورات] وقد بعثت إليك بأنموذج فإن كان كما قال القائل: قبّح الله