للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أصابته ضربة في وجهه فقال: غنّني فغنّيته في شعر بعض الأعراب:

إني لأكني بأجبال عن اجبلها ... وباسم أودية عن إسم واديها

عمدا ليحسبها الواشون غانية ... أخرى وتحسب أني لست أعنيها

ولا يغيّر ودي أن أهاجرها ... ولا فراق نوى في الدار أنويها

وللقلوص ولي منها إذا بعدت ... بوارح الشوق تنضيني وأنضيها

فقال: أحسنت والله أعده، فأعدته عليه وهو يشرب، حتى صلى العتمة وأنا أغنّيه إياه، فأقبل على خادم له فقال له: كم عندك؟ فقال: مقدار سبعين ألف درهم، فقال: تحمل معه، فلما خرجت من عنده تبعني جماعة من الغلمان يسألوني، فوزّعت المال بينهم، فرفع الخبر إليه فأغضبه ولم يوجه إليّ ثلاثا، فكتبت إليه:

علمني جودك السماح فما ... أبقيت شيئا لديّ من صلتك

لم أبق شيئا إلا سمحت به ... كأنّ لي قدرة كمقدرتك

تتلف في اليوم بالهبات و ... في الساعة ما تجتبيه في سنتك

فلست أدري من أين تنفق لو ... لا أن ربّي يجزي على هبتك

فلما كان في اليوم الرابع بعث إليّ فصرت إليه، فدخلت فسلمت، ورفع بصره إليّ ثم قال: اسقوه رطلا، فسقيته «١» ، فأمر لي بآخر وآخر فشربت ثلاثة ثم قال غنني: «إني لأكني بأجبال عن اجبلها» فغنيته إياه ثم أتبعته الأبيات التي قلتها فقال لي: ادن فدنوت، فقال لي: أعد الصوت فأعدته، فلما فهمه وعرف المعنى قال لخادم له: أحضرني فلانا فأحضره، فقال له: كم قبلك من مال الضياع، قال:

ثمانمائة «٢» ألف درهم، فقال: أحضرها الساعة، فجيء بثمانين بدرة، فقال: جئني بثمانين مملوكا، فأحضروا فقال: أحملوا المال، ثم قال: يا أبا محمد خذ «٣» المال والمماليك حتى لا تحتاج إلى أحد تعطيه شيئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>