قرأت بخط تاج الاسلام: البارع من أهل زوزن، سكن نيسابور وورد العراق وأكرم فضلاؤها مورده، وكان شاعر عصره وأوحد «١» دهره بخراسان والعراق، وقد شاع ذكره في الآفاق. وكان على كبر سنّه يسمع الحديث ويكتب إلى آخر عمره. سمع أبا عبد الرحمن ابن محمد الداودي وأبا جعفر محمد بن اسحاق البحّاثي، روى لنا عنه أبو البركات الفراوي وأبو منصور الشحامي وغيرهما.
وذكره الباخرزي في «الدمية» وقال: الأديب أبو القاسم أسعد بن علي البارع الزوزني: هو البارع حقا، والوافر من البراعة حظا، وقد اكتسب الأدب بجدّه وكدّه، وانتهى من الفضل إلى أقصى حدّه، ولفّتني إليه نسبة الآداب، ونظمتني وإياه صحبة الكتاب، وهلم جرّا إلى الآن، ارتدينا المشيب، وخلعنا برد الشباب ذاك القشيب.
ولا أكاد أنسى وأنا في الحضر، حظّي منه في السفر، وقد أخذنا بيننا بأطراف الأحاديث، ورشنا المطايا بأجنحة السير الحثيث، حتى سرنا معا إلى العراق، ونزل هو من فضلائه بمنزلة السواد من الأحداق، وعنده توقيعاتهم بتبريزه على الأقران، وحيازته قصبات الرهان، وأنا على ذلك من الشاهدين، لا أكتم من شهادتي دقّا ولا جلّا، بل أعتقد بها صكّا وعليها سجلّا، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، وعازب لبه.
قال السمعاني: أنشدني الشحامي، أنشدنا البارع لنفسه:
قد أقبل المعشوق فاستقبلته ... مستشفيا مستسقيا من ريقه
نشوان والإبريق في يده ولي ... من ريقه ما ناب عن إبريقه
لو كنت أعلم أنه لي زائر ... لرششت من دمعي تراب طريقه
ولكنت أذكي جمر قلبي في الدجى ... بطريقه كي يهتدي ببريقه
فزويت وجهي عن مدامة كأسه ... وشربت كأسا من مجاج عقيقه