للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أمر شيركوه النصارى بلبس الغيار وأن يعمّموا بغير عذبة قال عمارة اليمني:

يا أسد الدين ومن عدله ... يحفظ فينا سنّة المصطفى

كفى غيارا شدّ أوساطنا ... فما الذي يوجب كشف القفا

وجرى معه حديث النحويين وأن أحدهم ينفد عمره فيه ولا يتجاوزه إلى شيء من الأدب الذي يراد النحو لأجله: من البلاغة وقول الشعر ومعرفة الأخبار والآثار وتصحيح اللغة وضبط الأحاديث، فقال الأسعد: هؤلاء مثلهم مثل الذي يعمل الموازين وليس عنده ما يزن فيه، فيأخذها غيرهم فيزن فيها الدرّ النفيس والجوهر الفاخر والدنانير الحمر والجواهر البيض. وهذا عندي من حسن التمثيل.

أنشدنا سعيد بن أبي الكرم بن هبة الله المصري- قال، أنشدني الخطير أبو سعيد ابن مماتي لنفسه في أبي سعيد ابن أبي اليمن النحال وزير العادل، وكان نصرانيا وأسلم، وكان أملح الناس وجها- أعني ابن النحّال:

وشادن لما أتى مقبلا ... سبّحت ربّ العرش باريه

ومذ رأيت النحل «١» في خدّه ... أيقنت أنّ الشهد في فيه

وأنشدنا سعيد بن أبي الكرم المذكور قال، أنشدني الخطير أبو سعيد ابن مماتي في ابن النحال أيضا، وكان يسكن ابن النحّال في أول الدرب، وكان في آخر الدرب صبيّ مثله في الحسن يعرف بابن زنبور:

حوى درب نور الدين كلّ شمردل ... مشددة أوساطهم بالزنانير

فأوّله للشهد والنحل منزل ... وآخره يا سادتي للزنابير

ومن عجيب ما جرى للخطير أنه كان يوما جالسا في ديوانه في حجرة موسومة بديوان الجيش من قصر السلطان بمصر، وكانت حجرة حسنة مرخّمة منمّقة، فجاءه قوم وقالوا له: قم من ها هنا: فقال لهم: ما الخبر؟ فقالوا: قد تقدم الملك العادل أبو بكر بن أيوب بأخذ رخام هذه الحجرة وأن يعمر به موضعا آخر، فخرج منكسرا كاسفا، فقيل له في ذلك فقال: قد استجيبت فينا دعوة، وما أظنني أجلس في ديوان

<<  <  ج: ص:  >  >>