للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدها، أما سمعتم إذا بالغوا في الدعاء علينا قالوا: خرّب الله ديوانه، وما بعد الخراب إلا اليباب، ثم دخل منزله وحمّ فلم يخرج منه إلّا ميتا. فلما مات خلفه ابنه الأسعد هذا على ديوان الجيش وتصدّر فيه مدّة طويلة ثمّ أضيف إليه في الأيام الصلاحية والعزيزية ديوان المال، وهو أجلّ ديوان من دواوين مصر، وتصدّر فيه واختصّ بصحبة القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني، ونفق عليه وحظي عنده وكرم لديه، فقام بأمره وأشاع من ذكره ونبّه على فضله، وصنّف له عدة تصانيف باسمه، ولم يزل على ذلك إلى أن ملك الملك العادل أبو بكر ابن أيوب الديار المصرية، وكان وزيره والمدبّر لدولته الصفي عبد الله بن علي بن شكر، وكان بينه وبين الأسعد ذحل قديم أيام رئاسته عليه، ووقعت من الأسعد إهانة في حقّ ابن شكر فحقدها عليه إلى أن تمكن منه، فلما ورد مصر أحضر الأسعد إليه وأقبل بكلّيته عليه وفوّض إليه جميع الدواوين التي كانت باسمه قديما، وبقي على ذلك سنة كاملة، ثم عمل له المؤامرات ووضع عليه المحالات وأكثر فيه التأويلات، ولم يلتفت إلى أعذاره ولا أعاره طرفا لاعتذاره، فنكبه نكبة قبيحة، ووجه عليه أموالا كثيرة وطالبه بها، فلم يكن له وجه لأنه كان عفيفا ذا مروءة، فأحال عليه الأجناد فقصدوه وطالبوه وأكثروا عليه وآذوه «١» واشتكوه إلى ابن شكر فحكّمهم فيه؛ فحدثني المؤيد إبراهيم بن يوسف الشيباني قال: سمعت الأسعد يقول: علقت في المطالبة على باب داري بمصر على ظهر الطريق في يوم واحد إحدى عشرة مرة، فلما رأوا أنه «٢» لا وجه لي قيل لي:

تحيّل ونجّم هذا المال عليك في نجوم، فقلت: أما المال فلا وجه له عندي، ولكن إن أطلقت وملكت نفسي استجديت من الناس وسألت من يخافني ويرجوني فلعلّي أحصّل من هذا الوجه، فأما من وجه حاصل فليس لي بعد ما أخذتموه مني درهم واحد، فنجّم المال عليّ وأطلقت، وبقيت مديدة إلى أن حلّ بعض نجوم المال عليّ فاختفيت واستترت، وقصدت إلى القرافة وأخفيت نفسي في مقبرة الماذرائيين،

<<  <  ج: ص:  >  >>