وذكره أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي في كتابه الذي سماه «بحر الذهب في معرفة أئمة الادب» فقال: كان الجوهري قد صنف «كتاب الصحاح» للأستاذ أبي منصور عبد الرحيم «١» بن محمد البيشكي، وسمعه منه إلى باب الضاد المعجمة، واعترى الجوهري وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور، فصعد إلى سطحه وقال: أيها الناس إني عملت في الدنيا شيئا لم أسبق [إليه] فسأعمل للآخرة أمرا لم أسبق إليه، وضمّ إلى جنبيه مصراعي باب وسّطهما «٢» بحبل وصعد مكانا عاليا من الجامع وزعم أنه يطير، فوقع فمات، وبقي بقية الكتاب مسوّدة غير منقح ولا مبيض، فبيّضه أبو إسحاق إبراهيم بن صالح الوراق تلميذ الجوهري بعد موته، فغلط فيه في عدة مواضع غلطا فاحشا.
وكان الجوهري يجيد قول الشعر، فمن ذلك «٣» :
رأيت فتى أشقرا أزرقا ... قليل الدماغ كثير الفضول
يفضّل من حمقه دائبا ... يزيد بن هند على ابن البتول
قال المؤلف: وكنت بحلب في سنة إحدى عشرة وستمائة في منزل القاضي الأكرم والصاحب الأعظم أبي الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني، فتجارينا أمر الجوهريّ وما وفّق له من حسن التصنيف، ثم قلت له: ومن العجب أني بحثت عن مولده ووفاته بحثا شافيا، وسألت عنهما الواردين من نيسابور فلم أجد مخبرا عن ذلك، فقال لي: لقد بحثت قبلك عن ذلك فلم أر مخبرا عنه، فلما كان من غد ذلك اليوم جئته فقال لي: ألا أخبرك بطريفة؟ إنني رأيت في بارحتنا في النوم قائلا يقول لي: مات إسماعيل بن حماد الجوهري في سنة ست وثمانين وثلاثمائة ولعمري وان كان المنام مما لا يقطع به ولا يعمل عليه فهذا بلا شك زمانه وفيه كان أوانه، لأن شيخيه أبا علي وأبا سعيد ماتا قبل هذه المدة بسنين يسيرة. ثم وجدت نسخة بديوان الأدب بخطّ الجوهري بتبريز وقد كتبها في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، ثم وقفت على