للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طفيف الثواب، طويل العتاب، بذيء اللسان يعطي كثيرا قليلا (يعني يعطي الكثير القليل) ، مغلوب بحرارة الرأس، سريع الغضب بعيد الفيئة، قريب الطّيرة، حسود حقود، وحسده وقف على أهل الفضل، وحقده سار إلى أهل الكفاية، أما الكتّاب والمتصرّفون فيخافون سطوته، وأما المنتجعون فيخافون جفوته، وقد قتل خلقا وأهلك ناسا ونفى أمة نخوة وبغيا وتجبرا وزهوا، ومع هذا يخدعه الصبيّ، ويخلبه الغبيّ، لأن المدخل عليه واسع والمأتى إليه سهل، وذلك بأن يقال: «مولانا يتقدم بأن أعار شيئا من كلامه ورسائله، منظومه ومنثوره، فما جبت الأرض إليه من فرغانة ومصر وتفليس إلّا لأستفيد كلامه وأفصح به وأتعلّم البلاغة منه، لكأنّما رسائل مولانا سور قرآن، وفقره فيها آيات فرقان، واحتجاجه في أثنائها «١» برهان، فسبحان من جمع العالم في واحد، وأبرز جميع قدرته في شخص» . فيلين عند ذلك ويذوب، ويلهى عن كلّ مهمّ له، وينسى كلّ فريضة عليه، ويتقدّم إلى الخازن بأن يخرج إليه رسائله مع الورق والورق، ويسهّل الإذن عليه والوصول إليه والتمكّن من مجلسه، فهذا هذا، ثمّ يعمل في أوقات كالعيد والفصل شعرا ويدفعه إلى أبي عيسى ابن المنجّم ويقول له:

قد نحلتك هذه القصيدة، امدحني بها في جملة الشعراء، وكن الثالث من [الهمج] المنشدين، فيفعل ذلك أبو عيسى وهو بغداديّ محكّك، قد شاخ على الخدائع وتحنّك، وينشد، فيقول له عند سماعه شعره في نفسه، ووصفه بلسانه، ومدحه من تحبيره: أعد يا أبا عيسى فإنك والله مجيد، زه يا أبا عيسى، قد صفا ذهنك وزادت قريحتك وتنقّحت قوافيك، ليس هذا من الطراز الأول حين أنشدتنا في العيد الماضي، مجالسنا تخرّج الناس وتهب لهم الذكاء وتزيدهم الفطنة وتحوّل الكودن عتيقا والمحمّر جوادا، ثم لا يصرفه عن مجلسه إلا بجائزة سنيّة وعطيّة هنية، ويغايظ الجماعة من الشعراء وغيرهم لأنهم يعلمون أن أبا عيسى لا يقرض مصراعا ولا يزن بيتا ولا يذوق عروضا. قال يوما: من في الدار؟ فقيل له: أبو القاسم الكاتب وابن ثابت، فعمل في الحال بيتين وقال لإنسان بين يديه: إذا أذنت لهذين فادخل بعد هما بساعة، وقل: قد قلت بيتين فإن رسمت لي إنشادهما أنشدتهما، وازعم أنك بدهت

<<  <  ج: ص:  >  >>