للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهما، ولا تجزع من تأفّفي بك ولا تفزع من نكيري عليك، ودفع البيتين إليه وأمره بالخروج إلى صحن الدار، وأذن للرجلين حتى وصلا، فلما جلسا وأنسا دخل الآخر على تفيئتهما ووقف للخدمة وأخذ يتلمّظ، يري أنه يقرض شعرا، ثم قال: يا مولانا قد حضرني بيتان فإن أذنت أنشدت، قال له: أنت إنسان أخرق سخيف لا تقول شيئا فيه خير، اكفني أمرك وشعرك، قال: يا مولانا هي بديهتي وإن كسرتني «١» ظلمتني، وعلى كلّ حال فاسمع فإن كانا بارعين وإلا فعاملني بما تحبّ، قال: أنت لجوج هات، فأنشد:

يا أيها الصاحب تاج العلا ... لا تجعلنّي نهزة «٢» الشامت

بملحد يكنى أبا قاسم ... ومجبر يعزى إلى ثابت

فقال: قاتلك الله، لقد أحسنت وأنت مسيء. قال لي أبو القاسم: وكدت أتفقأ غيظا لأني علمت أنها من فعلاته المعروفة، وكان ذلك الجاهل لا يقرض بيتا، ثم حدثني الخادم الحديث بقضه. والذي غلّطه في نفسه وحمله على الإعجاب بفضله والاستبداد برأيه أنه لم يجبهه أحد قطّ بتخطئة، ولا قوبل بتسوئة، لأنه نشأ على أن يقال: أصاب سيدنا وصدق مولانا، ولله درّه ما رأينا مثله، من ابن عبد كان مضافا إليه، ومن ابن ثوابة مقيسا عليه؟ ومن إبراهيم بن العباس الصولي؟ من صريع الغواني؟ من أشجع السلمي؟ إذا سلك طريقهما، قد استدرك مولانا على الخليل في العروض، وعلى أبي عمرو بن العلاء في اللغة، وعلى أبي يوسف في القضاء، وعلى الاسكافي في الموازنة، وعلى ابن نوبخت في الآراء والديانات، وعلى ابن مجاهد في القراءات، وعلى ابن جرير في التفسير، وعلى أرسطاطاليس في المنطق، وعلى الكندي في الجزء، وعلى ابن سيرين في العبارة، وعلى أبي العيناء في البديهة، وعلى ابن أبي خالد في الخطّ، وعلى الجاحظ في الحيوان، وعلى سهل بن هارون في الفقر، وعلى يوحنا في الطبّ، وعلى ابن ربن في الفردوس «٣» ، وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>