فقال: اغرب يا ساقط، يا هابط، يا من تذهب إلى الحائط بالغائط، ليس هذا من نحت يدك، ولا هو مما نشأ من عندك، هذا لمحمد بن عبد الله بن طاهر وأوله:
كتبت تسأل عني كيف كنت وما ... لاقيت بعدك من همّ ومن حزن
لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا ... لا كنت إن كنت أدري كيف لم اكن
وكان ينشد وهو يلوي رقبته، وتجحظ حدقته، وينزي أطراف منكبيه، ويتشايل «١» ويتمايل، كأنه الذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ. ثم قال: يا أبا علي لا تعوّل على أير في سراويل [غيرك] لا أير إلا أير تمطى تحت عانتك، فإنك إن عوّلت على ذلك شانك وخانك، وفضح حانك ومانك «٢» . ثم نظر إلى غلام قد بقل وجهه كان يتّهم به على الوجه الأقبح، فالتوى وتقلقل، وقال ادن مني يا بنيّ كيف كنت، ولم حملت على نفسك هذا العناء؟ وجهك هذا الحسن لا يبتذل للشحوب، ولا يعرّض للفحات الشمس بين الطلوع إلى الغروب، أنت يجب أن تكون [في] بذلة، بين حجلة وكلّة، تزاح بك العلة، وتغلي بك القلة، وتشفى منك الغلّة. هذا آخر حديث الاستقبال.
قال أبو حيان «٣» : ودخل يوما دار الإمارة الفيرزان المجوسي [فقال له] في شيء خاطبه به: إنما أنت محشّ مجش مخش «٤» ، لا تهشّ ولا تبش ولا تمتشّ «٥» ، فقال الفيرزان: أيها الصاحب برئت من النار إن كنت أدري ما تقول، إن كان رأيك أن تشتمني فقل ما شئت، بعد أن أعلم فانّ العرض لك، والنفس فداؤك، لست من الزنج ولا من البربر، كلّمنا على العادة التي عليها العمل، والله ما هذا من لغة آبائك