الفرس، ولا من لغة أهل دينك من أهل السواد، وقد خالطنا الناس فما سمعنا منهم هذا النمط، فقام مغضبا.
قال «١» : وكان ابن عباد يقول للإنسان إذا قدم عليه من أهل العلم: يا أخي تكلّم واستأنس واقترح وانبسط ولا ترع، واحسبني في جوف مرقّعة، ولا يروعك هذا الحشم والخدم والغاشية والحاشية، وهذه المرتبة والمصطبة، وهذا الطاق والرواق، وهذه المجالس والطنافس، فإن سلطان العلم فوق سلطان الولاية، فليفرخ روعك، ولينعم بالك، وقل ما شئت، وانصر ما أردت، فلست تجد عندنا إلا الإنصاف والإسعاف، والإتحاف والإطراف، والمواهبة والمقاربة، والمؤانسة والمقابسة؛ ومن كان يحفظ ما كان يهذي به في هذا وفي غيره؟ ويجري في هذا الميدان فيطيل، حتى إذا استوفى «٢» ما عند ذلك الانسان بهذه الزخارف والحيل وسال «٣» الرجل معه في حدوره على مذهب الثقة فحاجّه وراجعه «٤» وضايقه وسابقه، ووضع يده على النكتة الفاصلة والأمر القاطع تنمّر له وتغيّر عليه ثم يقول «٥» : يا غلام خذ بيد هذا الكلب إلى الحبس، وضعه فيه بعد أن تصبّ على كاهله وظهره وجنبيه خمسمائة سوط وعصا فإنه معاند ضدّ، يحتاج إلى أن يشدّ بالقدّ، ساقط هابط كلب [نباح، وقاح، متعجرف] أعجبه صبري، وغرّه حلمي، ولقد أخلف ظني، وعدت على نفسي بالتوبيخ، وما خلق الله العصا باطلا. فيقام ذلك البائس على هذه الحالة، وليس الخبر كالعيان، فمن لم يحضر ذلك المجلس لم ير منظرا رفيعا ورجلا رقيعا.
قال «٦» : وكان أبو الفضل ابن العميد إذا رآه قال: أحسب أن عينيه ركّبتا من زئبق، وعنقه عمل بلولب- وصدق فإنه كان ظريف التثني والتلوّي، شديد التفكّك والتفتّل، كثير التعوّج والتموّج، في شكل المرأة المومسة والفاجرة الماجنة.