بغدادي فقصدني فأذنت له، وكان عليه مرقعة وفي رجليه نعل طاق، فنظرت إلى حاجبي فقال له وهو يصعد إليّ: اخلع نعلك، فقال: ولم ولعلّي أحتاج إليها بعد ساعة، فغلبني الضحك وقلت: أتراه يريد أن يصفعني.
قال أبو حيان: وقال لي علي بن الحسن الكاتب: هجرني في بعض الأيام هجرا أضرّ بي وكشف مستور حالي، وذهب عليّ أمري، ولم أهتد إلى وجه حيلة في مصلحتي، وورد المهرجان فدخلت عليه في غمار الناس فلما أنشدت نوبتين «١» تقدمت فأنشدت فلم يهشّ لي ولم ينظر إليّ، وكنت ضمّنت أبياتي بيتا له من قصيدة على رويّ قصيدتي، فلما مرّ به البيت هبّ من كسله ونظر إليّ كالمنكر عليّ، فطأطأت رأسي وقلت بصوت خفيض: لا تلم ولا تزد في القرحة فما عليّ محمل، وإنما سرقت هذا من قافيتك لأزيّن به قافيتي، وأنت بحمد الله تجود بكلّ علق ثمين وتهب كلّ درّ مكنون، أتراك تشاحّني على هذا القدر وتفضحني في هذا المشهد؟! فرفع رأسه وصوته وقال: يا بني أعد هذا البيت، فأعدته، فقال: أحسنت يا هذا، ارجع إلى أوّل قصيدتك فقد سهونا عنك وطار الفكر بنا إلى شأن آخر، والدنيا مشغلة، وصار ذلك ظلما بغير قصد منا ولا تعمد. قال: فأعدتها وأمررتها وفغرت فمي بقوافيها، فلما بلغت آخرها قال: أحسنت، الزم هذا الفنّ فإنه حسن الديباجة وكأنّ البحتريّ استخلفك، وأكثر بحضرتنا وارتفع بخدمتنا وابذل نفسك في طاعتنا نكن من وراء مصالحك بأداء حقك والجذب بضبعك «٢» والزيادة في قدرك على أقرانك، قال: فلم أر بعد ذلك إلا الخير حتى عراه ملل آخر فوضعني في الحبس سنة، وجمع كتبي فأحرقها بالنار، وفيها كتب الفراء والكسائي ومصاحف القرآن وأصول كثيرة في الفقه والكلام، فلم يميزها من كتب الأوائل، وأمر بطرح النار فيها من غير تثبّت بل لفرط جهله وشدة نزقه. فهلّا طرح النار في خزانته وفيها كتب ابن الراوندي «٣» وكلام ابن أبي العوجاء «٤» في معارضة القرآن بزعمه، وصالح بن عبد القدوس وأبي سعيد