هو فوق ذلك، أو مثل ذلك وقريب منه، وعلى كلّ حال فليس يظهر لي أنه دونه، وأن ذلك سيستعلي عليه بوجه من وجوه الكلام أو بمرتبة من مراتب البلاغة. فلما سمع ابن عباد هذا فتر وخمد، وسكن عن حركته، وانخمص ورمه به وقال: ولا هكذا يا شيخ، كلامنا حسن وبليغ، وقد أخذ من الجزالة حظا وافرا، ومن البيان نصيبا ظاهرا، ولكن «١» القرآن له المزية التي لا تجهل، والشرف الذي لا يخمل، وأين ما خلقه الله على أتمّ حسن وبهاء مما يخلقه العبد بطلب وتكلف. هذا كله يقوله وقد خبا حميه، وتراجع مزاجه، وصارت ناره رمادا، مع إعجاب شديد قد شاع في أعطافه، وفرح غالب قد دبّ في أسارير وجهه، لأنه رأى كلامه شبهة لليهود وأهل الملل.
وقال «٢» بعض الشعراء في ابن عباد يذم سجعه وخطه وعقله:
متلقّب «٣» كافي الكفاة وإنما ... هو في الحقيقة كافر الكفار
السجع سجع مهوّس والخط خط منقرس والعقل عقل حمار وكان ذو الكفايتين ابن العميد يقول «٤» : خرج ابن عباد من عندنا من الريّ متوجها إلى أصفهان ومنزله ورامين، وهي قرية كالمدينة، فجاوزها إلى قرية غامرة وماء ملح لا لشيء إلا ليكتب إلينا:«كتابي هذا من النوبهار، يوم السبت نصف النهار» .
قال أبو حيان «٥» : وكان ابن عباد يروي لأبي الفضل ابن العميد كلاما في رقعة إليه حين استكتبه لمؤيد الدولة وهو: بسم الله الرحمن الرحيم، مولاي وإن كان سيدا بهرتنا نفاسته، وابن صاحب تقدمت علينا رياسته، فإنه يعدّني سندا ووالدا، كما أعدّه ولدا وواحدا، ومن حقّ ذلك أن يعضد رأيي برأيه ليزداد استحكاما، ويتظاهر عقدا وابراما. وحضرت اليوم مجلس مولانا ركن الدين ففاوضني ما جرى بينه وبين مولاي طويلا ووصل به كلاما بسيطا وأطلعني على أنّ مولاي لا يزيد بعد الاستقصاء والاستيفاء