على التقصي والاستعفاء وألزم عبده أن أكره مولاي إكراه المسألة وأجبره إجبار الطلبة، علما بأنه إن دافع المجلس المعمور طلبا للتحرز لم يردّ وساطتي أخذا بالتطول، وأقول بعد أن أقدّم مقدمة: مولاي غنيّ عن هذا العمل بتصوّنه وتظلّفه «١» وعزوفه بهمته عن التكثر بالمال وتحصيله، لكن العمل فقير إلى كفايته، محتاج إلى كفالته، وما أقول إن مرادي ما يعقد من حساب، وينشأ من كتاب، ويستظهر به من جمع، ويقدّر «٢» من عطاء ومنع، فكل ذلك وإن كان مقصودا، وفي آلات الوزارة معدودا، ففي كتّاب مولاي من يفي به ويستوفيه، ويوفي عليه بأيسر مساعيه. ولكن وليّ النعمة يريده لتهذيب ولده ومن هو وليّ عهده من بعده، والمأمول ليومه وغده- أدام الله أيامه، وبلّغه فيه مرامه. ولا بدّ وإن كان الجوهر كريما، والسّنخ قويما، والمجد صميما، ومركب العقل سليما، من مناب من يعلم ما السياسة وما الرياسة، وكيف تدبير العامّة والخاصة، وبماذا تعقد المهابة، ومن أين تجلب الأصالة والاصابة، وكيف ترتّب المراتب، ويعالج الخطب إذا ضاقت المذاهب، وتعصى الشهوة لتحرس الحشمة، وتهجر اللذة لتحصّن الامرة. ولا بد من محتشم يقوم في وجه صاحبه فيرادّه إذا بدر منه الرأي المنقلب، ويراجعه إذا جمح به اللّجاج المرتكب، ويعاوده إذا ملكه الغضب الملتهب. فلم يكن السبب في أن فسدت ممالك جمة وبلدان عدة إلا أن خفّضت أقدار الوزارة، فانقبضت أطراف الامارة. وليس يفسد على ما أرى بقية الأرض إلا إذا استعين بأذناب على هذا الأمر. فلا يبخلنّ مولاي على وليّ نعمته بفضل معرفته، فمن هذه الدولة جرى ماء فضله، وفضل الشيخ الأمين من قبله، وإن كان مسموعا كلامي، وموثوقا باهتمامي، فلا يقعنّ انقباض عني، وإعراض عما سبق مني.
ومولاي محكّم [بعد] الاجابة إلى العمل فيما يقترحه، وغير مراجع فيما يشترطه، وهذا خطّي به وهو على وليّ النعمة حجّة لا يبقى معها شبهة، وسأتبع هذه المخاطبة بالمشافهة، إما بحضوري لديه، أو بتجشمه إلى هذا العليل الذي قد ألحّ النقرس عليه. وكان ابن عباد [يحفظ] هذه النسخة ويرويها ويفتخر بها.
قال أبو حيان: وقال لي أصحابنا بالريّ، منهم أبو غالب الكاتب الأعرج إن هذه