وخليفة بن خياط «١» وجماعة «٢» أعلام يزيدون على المائتين، وكتب المصنّفات الكبار والمنثور الكثير، وبالغ في الجمع والرواية، ورجع إلى الأندلس فملأها علما جما، وألف كتبا حسانا تدلّ على احتفاله واستكثاره؛ قال لنا أبو محمد علي بن أحمد «٣» :
فمن مصنّفات بقي بن مخلد «كتاب تفسير القرآن» وهو الكتاب الذي أقطع قطعا لا أستثني فيه أنه لم يؤلّف في الاسلام مثله، ولا تصنيف محمد بن جرير الطبري ولا غيره؛ ومنها في الحديث كتاب مصنفه الكبير الذي رتّبه على أسماء الصحابة، فروى فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف، ثم رتّب حديث كلّ صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام، فهو مصنف ومسند «٤» ، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله، مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله فيه في الحديث وجودة شيوخه، فإنه روى عن مائة «٥» رجل وأربعة وثمانين رجلا ليس فيهم عشرة ضعفاء وسائرهم أعلام مشاهير؛ ومنها كتاب في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم الذي أربى فيه على مصنّف أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره، فصارت تصانيفه قواعد الاسلام لا نظير لها، وكان متخيرا لا يقلّد أحدا، وكان خاصّا بأحمد بن حنبل وجاريا في مضمار البخاري ومسلم- كلّ هذا من كتاب الحميدي. وإنما ذكرته لتصنيفه كتابا في تفسير القرآن.
وذكر له ترجمة أخرى فقال فيها: ولد بقي بن مخلد الأندلسي في رمضان سنة إحدى وثمانين وتوفي ليلة الثلاثاء لتسع وعشرين ليلة مضت من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ومائتين، ودفن في المقبرة المنسوبة إلى بني العباس، وكانت له رحلتان: أقام في إحداهما نحو العشرين عاما، وفي الثانية نحو الأربعة عشر عاما، فأخبرني أبي أنه كان يطوف في الأمصار على أهل الحديث، فإذا أتى وقت الحج أتى