للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روي عن المبرد أن يهوديّا بذل للمازني مائة دينار ليقرئه «كتاب سيبويه» فامتنع من ذلك، فقيل له: لم امتنعت مع حاجتك وعائلتك؟ فقال: إن في «كتاب سيبويه» كذا وكذا آية من كتاب الله، فكرهت أن أقرىء كتاب الله للذمّة، فلم يمض على ذلك إلا مديدة حتى أرسل الواثق في طلبه وأخلف الله عليه أضعاف ما تركه لله، كما حدث أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في «كتاب الأغاني» «١» بإسناد رفعه الى أبي عثمان المازني قال: كان سبب طلب الواثق لي أن مخارقا غناه في شعر الحارث بن خالد المخزومي:

أظليم أن مصابكم رجلا ... أهدى السلام تحية ظلم

فلحّنه قوم وصوّبه آخرون، فسأل الواثق عمن بقي من رؤساء النحويين فذكرت له، فأمر بحملي وإزاحة عللي. فلما وصلت إليه قال لي: ممن الرجل؟ قلت: من بني مازن، قال: من مازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة أم مازن اليمن؟ قلت:

من مازن ربيعة، قال لي: با اسمك- يريد ما اسمك، وهي لغة كثيرة في قومنا، فقلت على القياس: اسمي مكر- وفي رواية فقلت: اسمي بكر- فضحك وأعجبه ذلك، وفطن لما قصدت أنني لم أستجرىء أن أواجهه بالمكر وضحك، وقال:

اجلس فاطبئن أي فاطمئن، فجلست فسألني عن البيت فقلت: صوابه إنّ مصابكم رجلا، قال: فأين خبر إنّ؟ قلت: ظلم، وهو الحرف في آخر البيت، والبيت كله متعلق به لا معنى له حتى يتمّ بقوله ظلم، ألا ترى أنه لو قال أظليم إنّ مصابكم رجلا أهدى السلام تحية فكأنّه لم يفد شيئا حتى يقول ظلم، ولو قال أظليم إن مصابكم رجل أهدى السلام تحية لما احتاج إلى ظلم ولا كان له معنى إلا أن تجعل التحية بالسلام ظلما، وذلك محال، ويجب حينئذ أظليم إن مصابكم رجل أهدى السلام تحية ظلما ولا معنى لذلك، ولا هو لو كان له وجه مراد الشاعر فقال: صدقت، ألك ولد؟ قلت:

بنية لا غير، قال: فما قالت لك حين ودّعتها؟ قلت: أنشدتني قول الأعشى:

تقول ابنتي حين جدّ الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم

<<  <  ج: ص:  >  >>