للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبانا فلا رمت من عندنا ... فانا بخير إذا لم ترم

أرانا إذا أضمرتك البلاد ... نجفى وتقطع منا الرّحم

فقال الواثق: كأني بك وقد قلت لها قول الأعشى أيضا:

تقول بنتي وقد قرّبت مرتحلا ... يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صلّيت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضطجعا

فقلت: صدق أمير المؤمنين، قلت لها ذلك وزدتها قول جرير:

ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح

فقال: ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى، إن ها هنا قوما يختلفون إلى أولادنا فامتحنهم، فمن كان عالما ينتفع به ألزمناهم إياه، ومن كان بغير هذه الصفة قطعناه عنهم، قال: فامتحنتهم فما وجدت فيهم طائلا، وحذروا ناحيتي، فقلت: لا بأس على أحد منكم، فلما رجعت إليه قال: كيف رأيتهم؟ فقلت: يفضل بعضهم بعضا في علوم ويفضل الباقون في غيرها وكلّ يحتاج إليه، فقال الواثق: إني خاطبت منهم رجلا فكان في نهاية الجهل في خطابه ونظره، فقلت: يا أمير المؤمنين أكثر من تقدم فهم بهذه الصفة، وقد أنشدت فيهم:

إن المعلم لا يزال مضعّفا ... ولو ابتنى فوق السماء سماء «١»

من علّم الصبيان أصبوا «٢» عقله ... مما يلاقي بكرة وعشاء

قال فقال لي: لله درّك كيف لي بك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ان الغنم لفي قربك والأمن والفوز لديك والنظر إليك، ولكني ألفت الوحدة وأنست بالانفراد، ولي أهل يوحشني البعد عنهم ويضرّ بهم ذلك، ومطالبة العادة أشدّ من مطالبة الطباع، فقال لي: فلا تقطعنا وان لم نطلبك، فقلت: السمع والطاعة، وأمر لي بألف دينار (وفي رواية بخمسمائة دينار) وأجرى عليّ في كلّ شهر مائة دينار.

<<  <  ج: ص:  >  >>