قال يعقوب: هو جير أي حقا وهي مخفوضة غير منوّنة، فاحتاج إلى التنوين.
قال أبو علي: هذا سهو منه لأنّ هذا يجري مجرى الأصوات، وباب الأصوات كلها والمبنيات بأسرها إلا ما خصّ منها لعلة الفرقان فيها بين نكرتها ومعرفتها بالتنوين، فما كان منها معرفة جاء بغير تنوين فإذا نكرته نوّنته، من ذلك أنك تقول في الأمر صه ومه تريد: السكوت يا فتى، فإذا نكرت قلت: صه ومه تريد سكوتا، وكذلك قول الغراب غاق أي صوتا، وكذلك إيه يا رجل تريد الحديث وإيه تريد حديثا، وزعم الأصمعي أن ذا الرمة أخطأ في قوله:«وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم» وكان يجب أن ينوّنه ويقول إيه وهذا من أوابد الأصمعي التي يقدم عليها من غير علم، فقوله جير بغير تنوين في موضع قوله الحق وتجعله نكرة في موضع آخر فتنونه، فيكون معناه قلت حقا، ولا مدخل للضرورة في ذلك إنما التنوين للمعنى المذكور، وبالله التوفيق. وتنوين هذا الشاعر على هذا التقدير.
قال يعقوب: قوله أصابهم الحمى يريد الحمام، وقوله: بدرن أي طعنّ في بوادرهم بالموت، والبادرة النحر، وقوله: فجئت قبورهم بدءا أي سيدا، وبدء القوم سيدهم وبدء الجزور خير أنصبائها، وقوله ولما أي ولم أكن سيدا إلا حين ماتوا فإني سدت بعدهم.
قرأت في «معجم السّفر»«١» للسلفي: أنشدني أبو جعفر أحمد بن محمد بن كوثر المحاربي الغرناطي بديار مصر قال، أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف النحوي لنفسه بالأندلس في «كتاب الإيضاح» لأبي علي الفارسي النحوي:
أضع الكرى لتحفّظ الإيضاح ... وصل الغدوّ لفهمه برواح
هو بغية المتعلّمين ومن بغى ... حمل الكتاب يلجه بالمفتاح
لأبي عليّ في الكتاب إمامة ... شهد الرواة لها بفوز قداح
يفضي إلى أسراره بنوافذ ... من علمه بهرت قوى الأمداح