(النور: ٣٥) وأقاويل الأئمة فيها، فسقط في أيديهم وتاهوا في شرحها، وما أجابوا بطائل، ثم أقبل الشيخ أبو العز على الشيخ رحمه الله وقال: تكلم أنت فيها يا أبا العلاء، فشرع فيها الشيخ وعدّ بضعة عشر قولا، وأدّى فيها حقّها بأحسن إشارة وأبلغ عبارة، فلما فرغ نظر الشيخ أبو العز إلى أصحابه الحاضرين وقال: بهذا أفضّله عليكم، لو أمهلتكم مدة لما قدرتم على الذي ذكر هو بديهة من غير عزيمة سابقة ورويّة سالفة.
قال: وكان محترما عند الخلفاء والسلاطين، كتب إليه المقتفي لأمر الله «١» أمير المؤمنين كتابا من جملته: وبعد فإن الأب القدّيس النفيس خامس أولي العزم، وسابع السبعة على الجزم، وارث علم الأنبياء، حافظ شرع المصطفى أبا العلاء، ثم ذكر كلاما واستدعى منه الدعاء.
قال: وسمعت ولده أبا محمد عبد الغني بن الشيخ الحافظ أبي العلاء رحمه الله يقول: لما أدخل أبي على أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، رضي الله عنه، بعد استدعاء أمير المؤمنين إياه، كان يأمره خواصّ الخليفة بتقبيل الأرض في المواضع، وكان يأبى ذلك، فلما أكثروا عليه قال: دعوني إنما السجود لله تعالى، فكفّوا عنه حتى وصل إليه، وسلم بالخلافة عليه، فقام له أمير المؤمنين وأجلسه، ثم كلّمه ساعة وسأل منه الدعاء فدعا، وأذن له في الرجوع فرجع، وكانوا قد أحضروا الخلعة والصلة فاستعفى عن ذلك فأعفي، وخرج من بغداد حذرا من فتنة الدنيا وآفاتها.
وحدثني غير واحد أن السلطان محمدا «٢» لما دخل عليه داره نصحه كثيرا ووعظه، وكان السلطان جالسا بين يديه مقبلا عليه بوجهه مصغيا إلى كلامه، فلما قام ليخرج أمره بتقدمة رجله اليمنى وأخذه الطريق من الجانب الأيمن.
وسمعت الإمام أبا بشر الثاني رحمه الله يقول: سمعت عبد الغني بن سرور المقدسي يقول: كنت يوما في خدمة الحافظ أبي طاهر السلفي بثغر الاسكندرية نقرأ الحديث، فجرى ذكر الحفّاظ إلى أن انتهى الكلام إلى ذكر الحافظ أبي العلاء