للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك ويقتدى بك، أهكذا كنت تفعل أنت بطلبة العلم ومن يأتيك من الغرباء؟ فذرفت عيناي فقلت: لا إن شاء الله، وأشهدت الله تعالى في نفسي في تلك الحال على أني لا آخذ على التعليم والاقراء والتحديث أجرا، ولا أبخل بعلمي على أحد، وأبذله حسبة، فكان كما قال، ويقعد لطلبة العلم من أول النهار إلى آخره.

قال: وكان الشيخ رحمه الله لا يرى طول نهاره إلّا كاتبا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أو مطالعا له، أو مشتغلا به، أو مصغيا إلى قراءة القرآن وطلبة العلم، هكذا كان دأبه بالنهار، ويجعل ليلته ثلاثة أثلاث، يكتب في ثلث، ويتفكر في ثلث، وينام في ثلث. وكان كثيرا ما يقول عند انتباهه من النوم: يا كريم أكرمنا، وكان من كرامته على الناس وإقبال الناس عليه والتبرك به أنه كان يصعب عليه المرور يوم الجمعة في مضيّه ورجوعه لازدحام الخلق عليه، وكان جماعة من الشبان يتحلقون حواليه يدفعون عنه زحمة الناس، وهو يمر في وسطهم مطرقا لا يشتغل بأحد، وهو يقول: يا من أظهر الجميل وستر على القبيح.

قال: سمعت العدل عمر بن محمد يقول: دخلنا على الإمام الحافظ أبي العلاء رضي الله عنه وهو يكتب، فقعدنا عنده ساعة، فوضع ما في يده وقام ليتوضأ، فنظرنا فيما كتب فإذا هو قد بيّض كلّ موضع فيه اسم من أسماء الله تعالى أو ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، فتعجبنا من ذلك، فلما رجع سألناه عن ذلك فقال: إني لما كنت أكتب ذلك شككت في الوضوء فما جوّزت أن أكتب بيدي أسماء الله تعالى أو ذكر الرسول صلى الله عليه وسلّم وأنا شاكّ في الوضوء.

وكان الشيخ رحمه الله إذا نزل بالناس شدة أو بلاء يجيء إليه الناس ويسألونه الدعاء فيقول: اللهم إني أخاف على نفسي أكثر مما يخافون على أنفسهم. وكان كثيرا ما يقول: ليتني كنت بقّالا او حلّاجا، ليتني نجوت من هذا الأمر رأسا برأس لا عليّ ولا ليا.

قال: وسمعت والدي يحكي عن الامام عبد الهادي بن علي رحمة الله عليه أنه قال: كنت أمشي يوما مع الشيخ الامام الحافظ رحمه الله في الشتاء في وحل شديد، وفي رجليه مداس خفيفة يكاد يدخل فيها الطين، فقلت له: يا أخي لو لبست مداسا غير هذا يصلح للشتاء، فقال: إذا لبست غيرها لهت عيني عن النظر إليها، فربما

<<  <  ج: ص:  >  >>