ربّ العالمين وجاء حديث سيد المرسلين، والمناظرة إنما اشتقّت من النظير، وليس هذا بنظيري لجهله بأحد العلوم التي يلزم المجتهد القيام بها، وكثر لغط أهل المجلس وانقسموا فريقين: فرقة لي وفرقة عليّ، وانفكّ المجلس على ذلك وشاع في الناس أني قطعته.
وكان الظهير قد أقام بالقدس مدة، فاجتاز به الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف فرآه عند الصخرة يدرس، فسأل عنه فعرّف منزلته من العلم، فأحضره عنده ورغّبه في المصير معه ليقمع به شهاب الدين أبا الفتح الطوسي لشيء نقمه عليه، فورد معه إلى القاهرة، وأجرى عليه كلّ شهر ستين دينارا ومائة رطل خبزا وخروفا وشمعة كلّ يوم، ومال إليه الناس من الجند وغيرهم من العلماء، وصار له سوق قائم إلى أن قرّر العزيز المناظرة بينه وبين الطوسي في غد عيد، وعزم الظهير أن يسلك مع الطوسيّ وقت المناظرة طريق المجير من المغالطة، لأن الطوسيّ كان قليل المحفوظ إلا أنه كان جريئا مقداما شديد العارضة، واتفق أن ركب العزيز يوم العيد، وركب معه الظهير والطوسي، فقال الظهير للعزيز، في أثناء الكلام: أنت يا مولانا من أهل الجنة، فوجد الطوسيّ السبيل إلى مقتله فقال: وما يدريك أنه من أهل الجنة؟
وكيف تزكّي على الله تعالى؟ فقال له الظهير: قد زكّى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه فقال:
أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، فقال له: أبيت يا مسكين إلا جهلا، ما تفرّق بين التزكية عن الله والتزكية على الله، وأنت من أخبرك أن هذا من أهل الجنة؟ ما أنت إلّا كما زعموا أنّ فأرة وقعت في دنّ خمر فشربت فسكرت، فقالت: أين القطاط؟ فلاح لها هرّ فقالت: لا تؤاخذ السكارى بما يقولون. وأنت شربت من خمر دنّ نعمة هذا الملك، فسكرت فصرت تقول خاليا: أين العلماء؟ فأبلس [الظهير] ولم يحر جوابا، وانصرف وقد انكسرت حرمته عند العزيز، وشاعت هذه الحكاية بين العوامّ وصارت تحكى في الأسواق والمحافل، فكان مآل أمره أن انضوى إلى المدرسة التي أنشأها الأمير تركون الأسدي يدرّس بها مذهب أبي حنيفة إلى أن مات، وكان قد أملى كتابا في تفسير القرآن وصل منه بعد سنين إلى تفسير قوله تعالى: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض
(البقرة: ٢٥٣) في نحو مائتي ورقة، ومات ولم يختم تفسير سورة البقرة.