قال العماد: أذكره وقد وصلت إليه خلعة مصرية وجائزة سنية، فأخرج القميص الدبيقيّ إلى السوق فبلغ دون عشرة دنانير، فقال: قولوا هذا قميص ملك كبير أهداه إلى ملك كبير ليعرف الناس قدره فيحلّوا عليه البدر على البدار، وليجلّوا قدره في الأقدار، ثم قال: أنا أحق به إذا جهلوا حقه، وتنكبوا فيه سبل الواجب وطرقه.
ومن طريف ما يحكى عن ملك النحاة أن نور الدين محمودا خلع عليه خلعة سنية ونزل ليمضي إلى منزله، فرأى في طريقه حلقة عظيمة، فمال إليها لينظر ما هي، فوجد رجلا قد علّم تيسا له استخراج الخبايا، وتعريفه من يقول له من غير إشارة، فلما وقف عليه ملك النحاة قال الرجل لذلك التيس: في حلقتي رجل عظيم القدر، شائع الذكر، ملك في زي سوقة، أعلم الناس وأكرم الناس وأجمل «١» الناس، فأرني إياه، فشقّ ذلك التيس الحلقة وخرج حتى وضع يده على ملك النحاة، فلم يتمالك ملك النحاة أن خلع تلك الخلعة ووهبها لصاحب التيس، فبلغ ذلك نور الدين فعاتبه وقال:
استخففت بخلعتنا حتى وهبتها من طرقيّ؟! فقال: يا مولانا عذري في ذلك واضح لأنّ في هذه المدينة زيادة على مائة ألف تيس، ما فيهم من عرف قدري إلا هذا التيس، فجازيته على ذلك، فضحك منه نور الدين وسكت.
وحكي عنه أنه كان يستخفّ بالعلماء، فكان إذا ذكر واحد منهم يقول: هو كلب من الكلاب، فقال رجل يوما: فلست إذا ملك النحاة، إنما أنت ملك الكلاب، فاستشاط غضبا وقال: أخرجوا عني هذا الفضولي.
وقال السمعاني: دخل أبو نزار بلاد غزنة وكرمان، ولقي الأكابر وتلقي مورده بالإكرام، ولم يدخل بلاد خراسان، وانصرف إلى كرمان وخرج منها إلى الشام.
قال: وقرأت فيما كتبته بواسط ولا أدري عمن سمعته لأبي نزار النحوي «٢» :