للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبُولِهِ مَتَى جَاءَهُ وَظَهَرَ لَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا مُعْرِضِينَ عَنْ الِاعْتِرَافِ بِمَا سَأَلْتَ عَنْهُ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ لِحَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ، وَمَا أُمِرْتَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ طُمِسَ قَلْبُهُ فَارْتَكَسَ فِي شَقَائِهِ وَوَقَعَ الْيَأْسُ مِنَ اهْتِدَائِهِ، وَمَنْ يُرْجَى لَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ مِنْ بَعْدُ مَا لَا يُرْجَى لَهُ الْيَوْمَ، أَقُولُ: وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ نَصٌّ قَاطِعٌ فِي حَصْرِ وَظِيفَةِ الرَّسُولِ بِالْبَلَاغِ عَنِ اللهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مُسَيْطِرًا عَلَى النَّاسِ وَلَا جَبَّارًا وَلَا مُكْرِهًا لَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ آيَاتٌ أُخْرَى بِمَفْهُومِ الْحَصْرِ فِي التَّبْلِيغِ يَعْرِفُ مَوَاقِعَهَا حُفَّاظُ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثِرُونَ مِنْ تِلَاوَتِهِ.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ الْيَهُودُ خَاصَّةً، وَقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِمْ قَتْلُ النَّبِيِّينَ الَّذِي كَانَ مِنْ سَابِقِهِمْ لِاعْتِبَارِ الْأُمَّةِ فِي تَكَافُلِهَا وَجَرْيِ لَاحِقِهَا عَلَى أَثَرِ سَابِقِهَا، كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ - عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ غَيْرَ مَرَّةٍ - عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ هَمَّتْ بِقَتْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَنِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَالسُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ - كَمَا عَلِمْتَ - وَهُمْ بِذَلِكَ قَوْمُهُ الْأُمِّيُّونَ

مِنْ قَبْلُ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حَرْبًا لَهُ وَهُمُ الْمُعْتَدُونَ ; وَلِذَلِكَ قَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْآيَةَ فِيمَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْأُمِّيِّينَ، فَكُلٌّ قَاتَلَهُ وَقَاتَلَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَتَّى عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ (وَيُقَاتِلُونَ الَّذِينَ) لِأَنَّ مُحَاوَلَةَ قَتْلِ نَبِيٍّ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِـ " يَقْتُلُونَ " النَّبِيِّينَ، وَالْقِتَالُ غَيْرُ الْقَتْلِ وَلِمَا فِي آيَاتٍ أُخْرَى مِنْ إِطْلَاقِ مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ عَلَى الْيَهُودِ خَاصَّةً، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَجْمُوعُ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمُ النَّبِيِّينَ وَبَعْضُهُمُ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ، فَالْآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا انْتِقَالٌ إِلَى خِطَابِ الْيَهُودِ خَاصَّةً، فَالْيَهُودُ هُمُ الَّذِينَ جَرَوْا عَلَى الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللهِ مِنْ عَهْدِ مُوسَى إِلَى عَهْدِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبِذَلِكَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ كُتُبُهُمْ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَعَلَى قَتْلِ النَّبِيِّينَ كَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَكِنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ وَجَّهَ الْقَوْلَ بِالْعُمُومِ وَجَعَلَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ الَّذِينَ حَاوَلُوا قَتْلَ نَبِيٍّ وَاحِدٍ عَلَى حَدِّ كَوْنِ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ كَقَتْلِ جَمِيعِ النَّاسِ. وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: بِغَيْرِ حَقٍّ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ بِمَا يُقَرِّرُ بَشَاعَتَهُ وَانْقِطَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>