للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ

أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

بَيَّنَ اللهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ حَالَ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ الضَّلَالِ الْبَعِيدِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهُنَّ آمَنُوا فِي الظَّاهِرِ نِفَاقًا أَوْ تَقْلِيدًا، وَكَانَ الْكُفْرُ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَمْ يَدَعْ فِيهَا اسْتِعْدَادًا لِفَهْمِ الْإِيمَانِ ; فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْصِمْهُمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفْرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ وَلَا ذَاقُوا حَلَاوَتَهُ، ثُمَّ وَعِيدُ الْمُنَافِقِينَ كَافَّةً وَبَيَانُ مُوَالَاتِهِمُ لِلْكَافِرِينَ وَمَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّنَاسُبِ الَّذِي يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْوَعِيدِ وَتَحْذِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا، ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ ذَبْذَبَتِهِمْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ أَنَّهُ قَدْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ حَتَّى فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِفَهْمِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَحَقِيَّتِهِ وَمَزَايَاهُ، فَهُمْ بِحَسَبِ سُنَّةِ اللهِ فِي خَلْقِهِ لَا يُرْجَى لَهُمْ أَنْ يَهْتَدُوا إِلَى سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِهِ، وَلَا أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ مَا دَنَّسَ أَرْوَاحَهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ الْآيَةَ مُبَيِّنَةٌ لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَمْثَالِهِمْ ; لِأَنَّ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ لَمْ يَكُنْ لِيَحْرِمَ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ الْمَغْفِرَةَ وَالْهِدَايَةَ بِمَحْضِ الْخَلْقِ وَالْمَشِيئَةِ، وَإِنَّمَا مَشِيئَتُهُ مُقْتَرِنَةٌ بِحِكْمَتِهِ، وَقَدْ قَضَتْ حِكْمَتُهُ الْأَزَلِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ كَسْبُ الْبَشَرِ لِعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ

مُؤَثِّرًا فِي نُفُوسِهِمْ، فَمَنْ طَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>