للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْهُدَى وَالرَّشَادِ مِنَ الرَّسُولِ، وَتُعَلِّلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، فَيَقُولُ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٣، ٣٤) أَفَتَأْبَوْنَ قَبُولَ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ مِنْ مِثْلِكُمْ، وَقَدْ فَضَّلَهُ اللهُ بِالْعِلْمِ وَالْهُدَى عَلَيْكُمْ، وَهُوَ لَا يَسْتَذِلُّكُمْ بِادِّعَاءِ أَنَّهُ رَبُّكُمْ أَوْ إِلَهُكُمْ، ثُمَّ تَرْفَعُونَ مَا دُونَهُ وَدُونَكُمْ إِلَى مَقَامِ الْأُلُوهِيَّةِ، مَعَ انْحِطَاطِهِ وَتَسَفُّلِهِ عَنْ هَذِهِ الْمِثْلِيَّةِ؟ ! .

قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ أَيْ قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمَرْزُوئِينَ بِعُقُولِهِمْ، الْمُحْتَقِرِينَ لِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، نَادُوا شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُفَعَاءً، ثُمَّ تَعَاوَنُوا عَلَى كَيْدِي جَمِيعًا، وَأَجْمِعُوا مَكْرَكُمُ الْخَفِيَّ لِإِيقَاعِ الضُّرِّ بِي سَرِيعًا، فَلَا تُنْظِرُونَ، أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، بَعْدَ إِحْكَامِ الْمَكْرِ الْكُبَّارِ. وَحِكْمَةُ مُطَالَبَتِهِمْ بِهَذَا أَنَّ الْعَقَائِدَ وَالتَّقَالِيدَ الْمَوْرُوثَةَ تَتَغَلْغَلُ فِي أَعْمَالِ الْوِجْدَانِ، حَتَّى يَتَضَاءَلَ دُونَهَا كُلُّ بُرْهَانٍ، وَيَظَلُّ صَاحِبُهَا مَعَ ظُهُورِ الدَّلِيلِ عَلَى

بُطْلَانِهَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ، وَتُقَرِّبُ مِنَ اللهِ وَتَشْفَعُ، فَطَالَبَهُمْ بِأَمْرٍ عَمَلِيٍّ يَسْتَلُّ هَذَا الْوَهْمَ مِنْ أَعْمَالِ قُلُوبِهِمْ، وَيَمْتَلِخُ الشُّعُورَ بِهِ مِنْ خَبَايَا صُدُورِهِمْ، وَهُوَ أَنْ يُنَادُوا هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءَ نِدَاءَ اسْتِغَاثَةٍ وَاسْتِنْجَادٍ لِإِبْطَالِ دَعْوَى الدَّاعِي إِلَى الْكُفْرِ بِهَا، وَإِثْبَاتِهِ الْعَجْزَ لَهَا، وَبَذْلِ الْجُهْدِ فِيمَا يَنْسِبُونَ إِلَيْهَا مِنَ التَّأْثِيرِ الْبَاطِنِ، وَالتَّدْبِيرِ الْكَامِنِ، الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ غَيْبِيٌّ، يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْكَيْدِ الْخَفِيِّ. فَإِنْ كَانَ لَهَا شَيْءٌ مَا مِنَ السُّلْطَانِ الْغَيْبِيِّ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى فَهَذَا وَقْتُ ظُهُورِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِإِبْطَالِ عِبَادَتِهَا وَتَعْظِيمِهَا، وَنَصْرِ عَابِدِيهَا وَمُعَظِّمِي شَأْنِهَا، فَمَتَى يَظْهَرُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ؟ وَهُمْ مُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ، وَكُلُّ مَا يَرْجُونَهُ أَوْ يَخَافُونَهُ مِنْهَا فَهُوَ خَاصٌّ بِمَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ؟ .

إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ هَذَا تَعْلِيلٌ لِجَزْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذُكِرَ مِنْ عَجْزِ هَذِهِ الْمَعْبُودَاتِ، وَتَحْقِيرِ أَمْرِهَا وَأَمْرِ عَابِدِيهَا، عَلَى مَا كَانَ مِنْ ضَعْفِهِ بِمَكَّةَ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ. يَقُولُ: إِنَّ نَاصِرِيِّ وَمُتَوَلِّي أَمْرِي هُوَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ عَلَيَّ هَذَا الْكِتَابَ النَّاطِقَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَبِمَا يَجِبُ مِنْ عِبَادَتِهِ وَدُعَائِهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُلِمَّاتِ وَحْدَهُ، وَبِأَنَّ عِبَادَةَ غَيْرِهِ بَاطِلَةٌ، وَأَنَّ دُعَاءَ هَذِهِ الْأَوْثَانِ هُزُؤٌ بَاطِلٌ، وَسُخْفٌ لَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ إِلَّا جَاهِلٌ سَافِلٌ، وَهُوَ يَتَوَلَّى نَصْرَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ صَلُحَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ السَّالِمَةِ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَامِ، وَالْأَعْمَالِ الَّتِي تَصْلُحُ بِهَا الْأَفْرَادُ وَشُئُونُ الْجَمَاعَاتِ، فَيَنْصُرُهُمْ عَلَى الْخُرَافِيِّينَ الْفَاسِدِي الْعَقَائِدِ، وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَعْمَالِ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ (١٣: ١٧) .

وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أَيْ: وَأَمَّا الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ لِنَصْرِكُمْ وَلِغَيْرِ النَّصْرِ مِنْ مَنَافِعِكُمْ وَدَفْعِ الضُّرِّ عَنْكُمْ، فَهُمْ عَاجِزُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>