(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
هَذَا قَوْلٌ مُسْتَأْنَفٌ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُوَجِّهَهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مُذَكِّرًا إِيَّاهُمْ بِمَا أَوْدَعَ فِي فِطْرَتِهِمْ مِنْ تَوْحِيدِهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا تَقَلَّدُوهُ مِنَ الشِّرْكِ عَارِضٌ شَاغِلٌ يُفْسِدُ أَذْهَانَهُمْ وَمُخَيِّلَاتِهِمْ فِي وَقْتِ الرَّخَاءِ، وَمَا يَخِفُّ حِمْلُهُ مِنَ الْبَلَاءِ،
حَتَّى إِذَا مَا نَزَلَ بِهِمْ مَا لَا يُطَاقُ مِنَ اللَّأْوَاءِ، وَأَثَارَ تَقَطُّعُ الْأَسْبَابِ فِي أَنْفُسِهِمْ ضَرَاعَةَ الدُّعَاءِ، دَعَوُا اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ١٠: ٢٢) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَمَا وَضَعَتْ رَمْزًا لَهُ مِنْ مَلَكٍ أَوْ إِنْسَانٍ؛ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءُ الْقَلْبِ لَا دُعَاءُ اللِّسَانِ، ذَكَّرَهُمْ بِهَذَا بَعْدَ تَذْكِيرِهِمْ بِالْمُشَابَهَةِ بَيْنَ أُمَمِ النَّاسِ وَأُمَمِ الْحَيَوَانِ وَحَالِ مَنْ فَسَدَتْ قُوَاهُمُ الْفِطْرِيَّةُ مِنَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ قَفَّى عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَنْ تَرَكُوا التَّضَرُّعَ لَهُ تَعَالَى حِينَ الْبَأْسِ، وَقَبْلَ أَنْ يُحِيطَ بِهِمُ الْيَأْسُ، فَابْتَلَاهُمْ بِالسَّرَّاءِ وَالنَّعْمَاءِ، بَعْدَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَأَعْقَبَهُمْ بَدَلَ الشُّكْرِ فَرَحَ الْبَطَرِ، فَأَخَذَهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، قَالَ تَعَالَى:
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَرَأَيْتَكُمْ) هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى (أَخْبِرُونِي) وَالتَّاءُ ضَمِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute