مِنْ بَقَاءِ الذِّكْرِ بِالْعَظَمَةِ وَالرِّيَاسَةِ وَكَثْرَةِ الْوَلَدِ وَالْعَصَبِيَّةِ، فَلَمْ يَعُدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُذْكَرُ بِخَيْرٍ، وَلَا يُنْسَبُ لَهُ عَقِبٌ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ عَلَى إِيجَازِهَا فِي مُنْتَهَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، قَدْ جَمَعَتْ مِنَ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ الصَّحِيحَةِ، وَمِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ الَّتِي فَسَّرَهَا الزَّمَانُ مَا تُعَدُّ بِهِ مُعْجِزَةً بَيِّنَةَ الْإِعْجَازِ، وَفِيهَا مِنَ الْمَعَانِي وَاللَّطَائِفِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهَا (فِي مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ) وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُطَوَّلَاتِ.
أَنْبِيَاءُ الْعَجَمِ الْكَاذِبُونَ:
هَذَا وَأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ فِي الْقَرْنَيْنِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ دَجَّالُونَ مِنْ إِيرَانَ، فَالْهِنْدِ، ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْهِ، وَشَارِعٌ جَدِيدٌ فَإِلَهٌ مَعْبُودٌ، وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ الْمَسِيحُ الْمُنْتَظَرُ، وَقَدْ أَلَّفَ كُلٌّ مِنْهُمْ رَسَائِلَ وَكُتُبًا عَرَبِيَّةً ادَّعَى أَنَّهَا وَحْيٌ مِنَ اللهِ وَأَنَّهَا مُعْجِزَةٌ لِلْأَنَامِ، عَلَى اعْتِرَافِهِمْ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَقَدْ ضَلَّ بِكُلٍّ مِنْهُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ لَا يَفْهَمُونَ الْعَرَبِيَّةَ فَهْمًا صَحِيحًا، ثُمَّ تَأَلَّفَتْ لَهُمْ أَحْزَابٌ وَعَصَبِيَّاتٌ بِمُسَاعَدَةِ الْأَجَانِبِ الْمُسْتَعْمَرِينَ الطَّامِعِينَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَصَارَ لَهُمْ ثَرْوَةٌ يَسْتَمِيلُونَ بِهَا النَّاسَ، وَقَدْ رَدَدْنَا عَلَيْهِمْ فِي " الْمَنَارِ "، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ غَيْرُنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ بِمَا ظَهَرَ بِهِ جَهْلُهُمْ وَكَذِبُهُمْ، وَسَخَافَتُهُمْ فِيمَا اغْتَرُّوا بِهِ مِنْ وَحْيِ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ.
وَقَدْ كَانَ لِأَعْرِضِهِمْ دَعْوَى كِتَابٌ سَمَّاهُ (الْكِتَابَ الْأَقْدَسَ) حَاوَلَ فِيهِ مُحَاكَاةَ الْقُرْآنِ فِي فَوَاصِلِ آيَاتِهِ وَفِي أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، وَلَكِنَّ أَتْبَاعَهُ الْأَذْكِيَاءَ لَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنْ إِخْفَاءِ هَذَا الْكِتَابِ وَجَمْعِ مَا كَانَ تَفَرَّقَ مِنْ نُسَخِهِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْأَقْطَارِ، وَمَا يَدْرِي إِلَّا اللهُ مَاذَا يَفْعَلُونَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يَثِقُوا بِأَنَّهُمُ اسْتَرَدُّوا سَائِرَ نُسَخِهِ مِنْ تَصْحِيحٍ وَتَنْقِيحٍ، وَإِبْرَازِهِ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ فِي ثَوْبٍ جَدِيدٍ. وَهَذَا الْعَمَلُ يُؤَكِّدُ
انْفِرَادَ الْقُرْآنِ بِالْإِعْجَازِ، وَكَوْنَهُ هُوَ حُجَّةَ اللهِ الْبَاقِيَةَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute