(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ
تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ النَّارَ وَأَهْلَهَا، وَالْجَنَّةَ وَأَهْلَهَا، بَيَّنَ لَنَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا بَعْضَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ - فَرِيقِ الْجَنَّةِ وَفَرِيقِ السَّعِيرِ - مِنَ الْحِوَارِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي دَارِهِ، وَتَمَكُّنِهِ فِي قَرَارِهِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّارَيْنِ فِي عَالَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ هُوَ سُورٌ وَاحِدٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِشْرَافِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمْ فِي عِلِّيِّينَ؛ عَلَى أَهْلِ النَّارِ وَهُمْ فِي سِجِّينٍ مِنْ هَاوِيَةِ الْجَحِيمِ، فَيُخَاطِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا يَزِيدُ أَهْلَ الْجَنَّةِ عِرْفَانًا بِقِيمَةِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَيَزِيدُ أَهْلَ النَّارِ حَسْرَةً عَلَى تَفْرِيطِهِمْ وَشَقَاءً عَلَى شَقَائِهِمْ، وَلَا يَقْتَضِي هَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاتِّصَالِ الْقُرْبَ الْمَعْهُودَ عِنْدَنَا فِي الدُّنْيَا بَيْنَ الْمُتَخَاطِبِينَ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا تُقَاسُ بِالذِّرَاعِ أَوِ الْبَاعِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ تُحَدَّدُ بِمَا عِنْدَنَا مِنَ الْأَشْهُرِ أَوِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْآخِرَةِ أَنْ تَغْلِبَ فِيهِ الرُّوحَانِيَّةُ عَلَى الْمَادَّةِ الْجَسَدِيَّةِ، فَيُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْمَعَ مَنْ هُوَ عَلَى بُعْدٍ شَاسِعٍ مِنْهُ وَيَرَاهُ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى غَرِيبًا بَعِيدًا عَنِ الْمَأْلُوفِ عِنْدَ أَجْدَادِنَا الْأَوَّلِينَ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ الْآنَ فِي الْعَالَمِ الْمَدَنِيِّ مَنْ يَسْتَبْعِدُهُ بَعْدَ اخْتِرَاعِ الْبَشَرِ لِلْآلَاتِ الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا مِنْ أَبْعَادِ أُلُوفِ الْأَمْيَالِ، إِمَّا بِالْإِشَارَاتِ الْكَاتِبَةِ كَالتِّلِغْرَافِ السِّلْكِيِّ وَاللَّاسِلْكِيِّ، أَوْ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ كَالتِّلِيفُونِ السِّلْكِيِّ وَاللَّاسِلْكِيِّ، وَقَدْ نَبَّأَتْنَا أَخْبَارُ الِاخْتِرَاعَاتِ فِي الشَّمَالِ بِصُنْعِ آلَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالْخِطَابِ، إِنْ كَانَ لَمَّا يَتِمَّ صُنْعُهَا فَقَدْ كَادَ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute