للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي حُدُوثِهِمَا وَتَعَاقُبِهِمَا فِي طُولِهِمَا وَقِصَرِهِمَا؛ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ مَوَاقِعِ الْأَرْضِ مِنَ الشَّمْسِ وَالنِّظَامِ الدَّقِيقِ لَهُمَا بِحَرَكَتَيْهَا الْيَوْمِيَّةِ وَالسَّنَوِيَّةِ، وَطَبِيعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَا يَصْلُحُ فِيهِ مِنْ نَوْمٍ وَسُكُونٍ وَعَمَلٍ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ أَيْ أَنْوَاعًا مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ عَلَى سُنَنِهِ فِي النِّظَامِ، وَحِكَمِهِ فِي الْإِبْدَاعِ وَالْإِتْقَانِ، وَفِي تَشْرِيعِ الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ، لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ عَوَاقِبَ مُخَالَفَةِ سُنَنِهِ فِي التَّكْوِينِ، وَسُنَنِهِ فِي التَّشْرِيعِ، فَالْأَفْرَادُ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ سُنَنَ الصِّحَّةِ الْبَدَنِيَّةِ يَمْرَضُونَ، وَالشُّعُوبُ الَّتِي تُخَالِفُ سُنَنَ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ تَخْرُبُ بِلَادُهَا، وَتَضْعُفُ دُوَلُهَا، وَيُغَيِّرُ اللهُ تَعَالَى مَا بِهَا بِتَغْيِيرِهَا مَا فِي أَنْفُسِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَفْرَادُ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ هِدَايَتَهُ الشَّرْعِيَّةَ فِي تَزْكِيَةِ الْأَنْفُسِ فَيُدَنِّسُونَهَا بِالشِّرْكِ وَالْخُرَافَاتِ، وَيُفْسِدُونَهَا بِالْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، يُجْزَوْنَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيُجْزَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِهَا فِي الدُّنْيَا (كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى) .

(إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .

هَذِهِ الْآيَاتُ بَيَانٌ لِحَالِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ وَالْغَافِلِينَ، وَحَالِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ

فِي الدُّنْيَا وَجَزَائِهِمَا فِي الْآخِرَةِ، فِيهِ تَفْصِيلٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ. قَالَ:

(إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) قَالَ الْفَيُّومِيُّ فِي الْمِصْبَاحِ: رَجَوْتُهُ أَرْجُوهُ رُجُوًّا - عَلَى فُعُولٍ - أَمَّلْتُهُ أَوْ أَرَدْتُهُ، قَالَ تَعَالَى: (لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا) (٢٤: ٦٠) أَيْ يُرِيدُونَهُ، وَالِاسْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>